الذكرى الـ 99 لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى… الحلم الإنساني

 منذ آلاف السنين لا تزال البشرية تحلم بالعدالة.. وكانت تطورات ذاك الحلم تختلف من جيل إلى جيل، ولم يشهد التاريخ لحظة توقف فيها هذا الحلم لدى الناس البسطاء، لقد كان دافعاً باستمرار لحركة التاريخ.. ولولا هذا الحلم لما تحققت أية إنجازات في سياق حركة الزمن.

كانت الأسطورة دائماً هي تعبير عن رغبة البشرية وتطلعاتها لتوفير ما تعجز عن تحقيقه في اللحظة الراهنة ألا وهو الحلم بالتغيير. وعلى هذه الطريق، طريق الحلم بالعدالة، طريق الحلم بالتقدم وإنجاز كل ما يمكن أن يسهّل حياة الناس على هذه الطريق التي امتدت آلاف السنوات قدّمت البشرية ولا تزال، كمّاً كبيراً من الضحايا. فما تعيشه الإنسانية الآن، ومنجزاتها الكبيرة في مختلف المجالات، وحضاراتها، ما هي إلا نتيجة للكدح والعمل والجهد من آلاف الأجيال المتعاقبة!.

تحل في هذه الأيام ذكرى ثورة أكتوبر.. هذه الثورة التي شكلت مرحلة متقدمة من مراحل الحلم الإنساني بالعدالة والانعتاق من عبودية الاستغلال، والانطلاق نحو عالم رحب أكثر جمالاً وأكثر حرية. لقد فجرت هذه الثورة طاقات ملايين الكادحين في كل أنحاء العالم، وأعطتهم الثقة بالنفس وبقدرتهم على الانتصار على الظلم الاجتماعي.. وبأن عالماً عادلاً يضمن تطوراً مزدهراً لهم يمكن أن ينتصر. ولقد كانت من نتائجه الكبرى، تحرر شعوب العالم من نير الاستعمار الكولونيالي الذي كان يجثم بأثقاله على كاهل البشرية جمعاء.

لم تستطع هذه الثورة، رغم كل زخمها العظيم، أن تستمر طويلاً في الحياة… لقد تكالبت عليها جميع قوى الظلام العالمي لتدميرها ومنعها من الوصول إلى برّ الأمان، وقد التحمت معها قوى الداخل التي تضررت مصالحها من انتصار العدالة، واستطاعت أن تستثمر بكل براعة الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت، وكان من الطبيعي أن ترتكب لكونها تجربة جديدة، ولأول مرة في التاريخ جرى العمل من أجل مجتمع خال من الطبقات التناحرية تسوده العدالة، فالتعثر إذاً، كان أمراً موضوعياً وقد استثمرته، كما قلنا، هذه القوى من أجل وقف هذه التجربة الإنسانية الكبيرة وضربها من المهد، وقد نجحت تلك القوى – قوى الداخل والخارج- مجتمعة في تحقيق ذلك.

بيد أن الحلم بقي مستمراً.. وإن ما أثارته هذه الثورة العظيمة لدى شعوب العالم، سيبقى تراثاً كفاحياً لها، ونبراساً في تاريخ البشرية، شأنها في ذلك شأن جميع الحركات والثورات والانتفاضات الاحتجاجية ضد الظلم والقهر والعدوان، وستبقى تعبيراً حياً عن حلم البشرية لمستقبل أفضل.

يكثرون الحديث اليوم عن هذه التجربة.. ويجري تشويهها من قبل قوى الردة وقوى الظلم. بيد أنه مهما كانت عمليات التشهير والتشويه التي طالت هذه التجربة التاريخية، لن تستطيع أن تطمس حقائق منجزاتها أمام كادحي العالم الذين ورغم كل هذه التخرصات، سيتمكنون من أن يتلمسوا طريقهم نحو أفق أفضل.. نحو أفق العدالة مستفيدين دائماً وأبداً من التجارب التي كرستها أجيال وأجيال من المناضلين من أجل الحرية الحقّة، والديمقراطية الحقّة. والعدالة الحقيقية.

إن النضال مستمر ولن تستطيع أية قوة في هذا العالم إيقافه أو قهره.

العدد 1140 - 22/01/2025