«جوعان وعاري وحافي»
(جوعان وعاري وحافي) هي كلمات لأغنية سمعناها وردّدناها في ثمانينيات القرن الماضي، واليوم بعد مضي تلك السنين، نعاود سماعها بصوت الفنانة ميس حرب وكأن أمور الناس بقيت على حالها، ومازالت كلمات الأغنية مناسبة ليومنا الحاضر. لقد عبّرت الأغنية عن الواقع المعيش في ذلك الوقت، وبيّنت الحالة الصعبة التي كان يعانيها معظم السوريين من عدم كفاية الراتب، الذي كان (نصفه يذهب للإيجار، والنصف الأخر لكروش التجار)،حسب الأغنية.
صحيح أن رواتب تلك الأيام كانت قليلة، لكنها كانت تكفي حتى منتصف الشهر، وكان الراتب بضعة آلاف، وأسعار المواد الغذائية وغيرها مقبولة نوعاً ما، إذ كانت أسعار البطاطا والبندورة رخيصة وتتراوح بين 10 ليرات و15 ليرة سورية للكيلو، فكان المواطن أبو العيال يمشّي حاله بأكلات بسيطة ويغنّي (عالبطاطا البطاطا…)- على قول الشحرورة، يفطر ويتغدى ويحمد الله.
لكن ماهو حال المواطن السوري في هذه السنين العصيبة، بعد سبع سنين عجاف من الحرب التي لم تظهر نهايتها بعد؟ لقد أصبح الواقع أسوأ من قبل بكثير،إذ بات معظم السوريين يعانون من عدم كفاية مداخيلهم الشهرية، وذلك لتأمين الحاجات الأساسية، إذ يترواح دخل المواطن الموظف في القطاع العام للدولة ما بين 30و40 ألف تقريباً، وفي القطاع الخاص يترواح بين 60 و65 ألف ليرة، ورغم الزيادات التي طرأت على الأجور الشهرية ،في عام 2011 وفي 2013 وتعويض المعيشة 7500 ليرة سورية؟ المواطنون يعيشون الهم اليومي ذاته، في البحث عن دخول جديدة لتوفير ما يغطي نفقات احتياجاتهم.
لقد تغيّر نمط حياة المواطن السوري بعد الحرب، وطرأت عليه تبدلات كثيرة، السلع التي كانت ثانوية أصبحت أساسية ولابد من توفيرها ، فكثير من الأسر أُجبرت على تغيير مكان سكنها، وتأمين المأوى أصبح في مقدمة الحاجات للأسرة السورية، كما أضافت الأزمة تكاليف جديدة على الغذاء والنقل والدواء واللباس، وباتت المصاريف اليومية لا تطاق ولا تحتمل، وحسب الدراسات فإن الموظف الذي راتبه 18000 ليرة، وعنده أسرة مكونة من خمسة أفراد أصبح على خط الفقر، ولكي يعيش حياة مماثلة كما كان عليه الأمر قبل عام 2010 يجب أن يكون راتبه الآن 240 ألفاً، فأين نحن من هذا الرقم؟!
تبقى زيادة الرواتب والأجور، لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، هي الهم الأساسي، ولا بد للدولة أن يكون لها دور تدخلي واضح ومؤثّر في عمليات ضبط الأسواق ومنع الغش والاحتكار، وضبط سعر الصرف وحماية العملة الوطنية، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها اقتصادنا الوطني، والبحث عن السبل والحلول التي تعيد الأمن والاستقرار إلى كل المناطق وإلى كل المنشآت والمصانع، الأمر الذي يسهم في زيادة الناتج المحلي وتعويض النقص الحاصل في السلع الأساسية، ويعيد دوران عجلة الحياة من جديد. وإلا سيبقى لسان حال المواطن السوري يردد (جوعان وعاري وحافي ) لسنوات مقبلة!