الزواج المدني في المجتمعات العلمانية – السويد نموذجاً

نلاحظ في الفترة الأخيرة تصاعد الأصوات المطالبة بقوننة الزواج المدني، وبشكل خاص في البلدان التي تقوم قوانينها على أسس دينية.

تأتي هذه المطالبات على خلفية الآثار السلبية التي تلحق بالفرد من حيث حق اختيار الشريك، أو المسائل المتعلقة بالإرث، وحق الحضانة وغير ذلك.

إن إقرار الزواج المدني وتشريعه لا يعني أبدا منع الزواج وفق التقاليد الدينية، إن رغب الطرفان بذلك. هذا ما نشاهده في القانون السويدي الذي يقرّ شكلين لعقد الزواج: مدني، أو كنسي/ ديني. 

تشير قوانين الزواج في مختلف البلدان إلى أنه عقد اتفاق بالتراضي بين طرفين قرّرا العيش المشترك وتكوين عائلة وإنجاب أطفال، لكن شروط هذا العقد تختلف بين مجتمع وآخر، بين مجتمعات تعتمد الدين مصدراً للتشريع، ومجتمعات علمانية. المجتمعات الأولى تضع تقييدات وشروطاً

عدة تصبّ كلها لصالح الذكر (المجتمعات الذكورية) أو وفق الشريعة الدينية. ما يهمنا هنا إلقاء الضوء على الزواج المدني في المجتمعات العلمانية، والسويد نموذجاً.

يبقى عقد الزواج هو الأساس في إنشاء الأسرة باعتبارها هي الخلية الاجتماعية والنواة لتكوين المجتمع الإنساني من خلال التناسل. ويعترف قانون العائلة السويدي بنوعين من أنواع الزواج، هما الزواج المدني الذي يجري في المحكمة بحضور الشهود، والزواج الديني الذي يجري في دور العبادة، لمن يرغب بذلك وفقاً لإجراءات محددة.  

 يشير قانون الزواج السويدي إلى أنه يحقّ للأشخاص البالغين سن الرشد (أي أكملوا  18 سنة) الزواج حتى دون موافقة الوالدين، ولا فرق بين الجنسين في السن المذكورة، وقد يمر الزواج بمرحلة سابقة عليه هي فترة الخطوبة التي قد تنتهي بالزواج أو بإنهاء الرابطة بين الطرفين. وقد نظم قانون العائلة السويدي الحقوق والالتزامات خلال هذه الفترة، غير أنه إذا كان الزوجان أو أحدهما أقل من سن الرشد فلا بدّ من حصول موافقة المحافظة أو السلطة المحلية على الزواج. وقد نصت المادة الثانية من قانون الزواج لسنة 1987: (الأشخاص الذين هم دون سن 18 سنة لا   يجوز لهم الزواج قبل الحصول على إذن من إدارة المحافظة في منطقة السكن للطرفين).

 إن اختلاف الدين بين الزوجين لا يعدّ مانعاً من موانع الزواج، ولا من موانع الميراث طبقاً لقانون العائلة السويدي، ولا اختلاف اللون أو   الجنسية أو العرق؛ لأن المهم في تكوين الأسرة هو التراضي وحرية الاختيار إذا توافرت الشروط. هذا يعني أن بإمكان اثنين بالغين سن الرشد   الزواج بغض النظر عن دينه كلٍّ منهما، أو طائفته، أو عرقه، أو لونه. كما لا بدّ من الإشارة إلى أن تعدد الزوجات أو نظام تعدد الأزواج غير جائز في القانون السويدي مطلقاً. كما يمنع القانون السويدي الزواج القسري وزواج القصّر.

بعد توفر الشروط بإمكان الشريكين اختيار الزواج مدنياً أو دينياً.

الزواج المدني 

يحتاج تسجيل عقد الزواج مدنياً إلى إجراءات محددة، مثل مراجعة دائرة الضرائب، أو دائرة الضمان الاجتماعي في مكان إقامة أحد الأطراف   للحصول على استمارة خاصة يكتب فيها المعلومات المطلوبة عن الطرفين الراغبين بالزواج، لغرض إجراء الفحص وتسجيل المعلومات في جهاز   الكومبيوتر، والتثبت من كل الشروط الأخرى. يجرى الزواج أمام السلطات المدنية، وهي المحكمة الابتدائية التي تتولى عملية إبرام عقد الزواج في مبنى المحكمة أو في البيت أو في المكان الذي يحدده الطرفان مع حضور الشاهدين على الزواج. وإذا حصل الزواج خارج السويد فإن السفارات السويدية الموجودة في العديد من دول العالم تتولى هذه الإجراءات لإبرام العقد (المادة 3 فقرة 2 من القانون).

الزواج الكنسي/ الديني

يحق للطرفين (الرجل والمرأة) الراغبين في عقد الزواج أن يبرما العقد في الكنيسة، بشرط أن يكونا من الأعضاء في الكنيسة السويدية وعلى الطرفين تحديد موعد مع راعي الكنيسة للحضور وتعبئة استمارة خاصة بوجود حفل أو من دونه. ويمكن إبرام عقد الزواج خارج الكنيسة، في الطبيعة، أو في السكن، على يخت أو قارب… وغير ذلك. وسيقوم القس بالتأكد من شروط الزواج المطلوبة ومنها التأكد من موانع الزواج والعمر. وعند تحديد الزفاف لابد من حضور شاهدين عليه ممن حضر إلى الكنيسة التي جرى فيها العقد، ويكون مع الزوجين الاستمارة المذكورة. وقد سمي زواجاً كنسياً لأنه يتم برعاية الكنيسة. (كما يمكن عقد الزواج في أي دار عبادة وفق الانتماء الديني للطرفين وفق الشروط المذكورة أعلاه). 

ويعتبر القانون السويدي أن الإكراه على الزواج هو جريمة يعاقب عليها القانون، بل إن قانون العائلة السويدي يعتبر إجبار الزوجة على الخضوع لرغبة الزوج في ممارسة الجنس هو جريمة اغتصاب يعاقب عليها القانون. ويهتم القانون السويدي بمسالة التأكد من أن الزوجين ليسا من الأشقاء أو من الأقارب الذين يحرم القانون الزواج منهم، كالخالة والعمّة والأم (المادة 3 فقرة 3 من القانون) فإن كانت الواقعة قد حصلت سابقاً داخل السويد أو خارجها فلا بدّ من حلّ الرابطة بينهما.

باختصار

من كل ما سبق نلاحظ أن القانون السويدي أعطى الحرية التامة والمتساوية لطرفي عقد الزواج، لاختيار الشريك دون ضغط أو إكراه. كما أن اختلاف الانتماء الديني أو الطائفي، أو الإثني، أو اللون، لا يؤخذ به أبداً. وللطرفين حق الزواج وفق التقاليد الدينية أو مدنياً.

* نشر في موقع منتدى العلمانيين السوريين في السويد

العدد 1140 - 22/01/2025