تطهير حلب من الإرهاب

جهود داخلية لاستمرار المصالحة وخارجية لبدء الحوار السوري ــ السوري

 عادت حلب بجميع مناطقها إلى حضن الوطن، وأثمرت تضحيات الجيش السوري الباسل وصمود أهلنا في حلب عن تطهير العاصمة الثانية لسورية من الإرهابيين.. وهو حدث كبير سيُحدث دون أي شك تداعيات لا على الصعيد الميداني العسكري فحسب، بل ستمتد انعكاساته لتشمل أيضاً الجوانب السياسية والاقتصادية، ويفتح الآفاق لمرحلة جديدة تعد بجميع المقاييس مدخلاً لحل الأزمة السورية.

وما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق لولا صمود شعبنا، ونكران الذات الذي تحلى به جنودنا البواسل، ولولا التضحيات التي قدموها دفاعاً عن تراب وطنهم ووحدته، ومن أجل غد سوري لا يعرف الإرهاب.

المواطنون السوريون عبروا خلال الأيام الماضية عن تفاؤلهم ببداية النهاية لأزمة ولحرب حملتا إليهم الموت والتهجير والفقر والهجرة، وتلوح اليوم أمامهم فرص عدة لنجاح المساعي السلمية لحل هذه الأزمة على قاعدة الاستمرار في ملاحقة الإرهابيين وطردهم من كل شبر من أرض سورية.

لقد ترافق الجهد العسكري الذي بذله جيشنا الوطني في تحرير حلب كلها من الإرهابيين، بجهد على صعيد المصالحة الوطنية، وتوضع اللمسات الأخيرة اليوم على عدة سيناريوهات لتوسيع هذه المصالحات لتشمل مناطق جديدة، ويتقدم آلاف المسلحين مطالبين بالعودة إلى حياتهم العادية والاستفادة من مراسيم العفو.

لقد ظهر جلياً قبل إنجاز حلب، وبعده أيضاً، أن الخاسر الأكبر هم داعمو الإرهاب في واشنطن وأوربا والرياض، الذين عرقلوا كل مشاريع التسويات السياسية لا في حلب، بل للأزمة السورية بجميع تداعياتها. فهم يريدون سورية محترقة، مدمرة، مقسمة، يقودها سكان المغاور، أما حديثهم عن حقوق الإنسان السوري، فقد أصبح (اسطوانة) مشروخة، ملّ منها الجميع.

هزيمة الإرهاب في حلب آلمت كثيراً التحالف الدولي المعادي لسورية، وفي تصريحات لمسؤولين أوربيين بارزين ظهرت بشكل واضح خشيتهم من تداعيات انتصار الجيش السوري، ومحاولتهم في الوقت ذاته رفع معنويات الإرهابيين بإعلانهم أن سقوط حلب وعودتها كاملة إلى حضن الدولة لا يعني انتصار سورية، وذلك بهدف استنهاض جميع المنظمات الإرهابية في مناطق أخرى لفعل شيء ما يقلل من إنجاز الجيش في حلب، ويغطي على الآثار الإيجابية لعودة حلب، خالية من الإرهاب، وهذا ما اعتبره الدواعش أمراً بالتحرك باتجاه تدمر.

السوريون يثقون بقدرات جيشهم الوطني وتضحياته، ولسان حالهم يقول: مَنْ دخل ملاحِقاً الإرهابيين في أوكارهم في شرقي حلب، يعرف تماماً طريقة الرد على تحرك الدواعش في تدمر.

الجهود تبذل اليوم على المستوى الإقليمي بمبادرة روسية ومشاركة إيرانية وتركية لجمع المعارضات السياسية السورية في الداخل والخارج، وتشكيل رأي موحد ووفد موحد للبدء في حوار مع الحكومة السورية التي أبدت استعدادها للبدء في أي حوار من أجل إنجاح المساعي السلمية، وربما يحمل اجتماع (الأستانة) في كازاخستان للمعارضين السياسيين الذين دعت إليه موسكو ما هو جديد، وخاصة بعد أن تكشف للجميع، وبضمنهم الأمريكيون والأوربيون، أن مدّعي تمثيل الشعب السوري في معارضة (الرياض) لا يمثلون إلا الإرهاب، مجسداً بالنصرة وداعش صانعي المجازر، ومفجري الأطفال.

إن عودة حلب تعد انتصاراً لا بالمقاييس العسكرية فقط، بل بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تعني دون أي لبس تقوية الصمود السوري في مواجهة الإرهابيين وأسيادهم وداعميهم، ومقدمة لانتصار سورية وشعبها على أشرس غزو تعرض له بلد من البلدان في التاريخ الحديث، وهي مدخل للغد السوري الذي نريده ديمقراطياً، علمانياً، مدنياً يتوافق على رسم جميع تفاصيله القوى السياسية الوطنية، وجميع المكونات الاجتماعية والدينية والإثنية.

المطلوب اليوم، كما نرى، هو الاستمرار في مواجهة الإرهاب، وصون وحدة سورية، وسيادتها على كل شبر من أرضها، والاستمرار في المصالحات الوطنية، والسعي لجمع كلمة السوريين.

إن تحرير حلب من الإرهاب يحمل كل هذه المضامين، وربما أكثر بكثير.

العدد 1140 - 22/01/2025