التحذير الروسي الشديد لواشنطن.. خلفياته وأبعاده!
في ضوء التهديدات التي أطلقتها الولايات المتحدة على لسان مندوبتها في مجلس الأمن (نيكي هالي) مؤخراً، والتي جاء فيها: إن بلادها ستتحرك منفردة في حال ما أسمته (عجز) مجلس الأمن في سورية، أعلن رئيس الأركان الروسي أن الجيش الروسي سيستهدف أي صواريخ ومنصات إطلاق تشارك في هجوم على سورية، وأشار إلى أن البنتاغون يخطط لقصف صاروخي ضد مواقع حكومية في دمشق، مؤكداً أن الجيش الروسي سيرد في حال تعرض دمشق لضربة صاروخية أمريكية أو تعرضت القوات الروسية للخطر.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه (في حال إقدام الولايات المتحدة على استهداف سورية، فستكون عواقب الضربة وخيمة جداً).
بطبيعة الحال، مثل هذا الإعلان العسكري والدبلوماسي الروسي يعيدنا إلى أدوات الحرب الساخنة بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي لمصلحة واشنطن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي أيضاً. رد المندوب السوري في الأمم المتحدة على المندوبة الأمريكية متهماً بلادها بتشجيع الإرهابيين على القيام بهجوم كيماوي في سورية لمرة أخرى لاتهام الدولة السورية بذلك.
إن كل ما سبق ذكره يأتي متزامناً مع تطورات ميدانية ثلاثة بارزة وهي:
1- تحرير الجيش السوري وحلفائه لأكثر من 80% من مساحة الغوطة الشرقية، وشطرها إلى ثلاثة أجزاء، ومحاصرة المسلحين في دوما وحرستا وغيرها وتكبيدهم خسائر فادحة.
2- ما سربته بعض الصحف الإسرائيلية عن هجوم يعدّ له في الجنوب السوري، وتحديداً في قرى وبلدات الريف الشرقي والشمالي لمحافظة درعا، باتجاه الأوتوستراد الدولي (عمان – درعا) في محاولة لتغيير خريطة القوى والتموضع في جنوب البلاد وتحريك خطوط التماس.
3- انتشار الجيش السوري في حي القدم الذي يشكل بوابة جنوب البلاد، بعد إخراج (حركة أحرار الشام) من مدخل العاصمة الجنوبي المتصل مع جبهة الجنوب التي تدور حولها تسريبات إعلامية بدأها الكيان الصهيوني بالنيابة عن أمريكا والأردن، ثم بدء قيام المجموعات الإرهابية المسلحة في الجنوب بإجبار الأهالي في ريف درعا الشرقي قسراً على إخلاء منازلهم ومغادرتها.
والسؤال: لماذا جاء هذا الإعلان الروسي العسكري والسياسي غير المسبوق؟
لا شك أن هذا الإعلان يشكل مبادرة روسية لتطوير الردع عبر الحديث عن الرد على منصات إطلاق الصواريخ الأمريكية في سورية، أي أن الروس لا يتحدثون الآن عن الحفاظ على (أمن قواتهم) في سورية فقط، كما جرى في السنة الماضية عند الهجوم على مطار الشعيرات، وهنا تحضر إلى المشهد مسألة إعادة تصنيع ملفات الحرب على سورية (أي كذبة السلاح الكيميائي، والتباكي على المدنيين والنواحي الإنسانية).
أمام هذا التحضير الأمريكي لقصف دمشق بذريعة استخدام السلاح الكيماوي، ومع تقدم الجيش السوري في الغوطة الشرقية، يتضح أن القلق الروسي من ضربة أمريكية محتملة هو قلق واقعي ومشروع، خاصة أن فرنسا وبريطانيا أعلنتا انضمامهما إلى تهديدات بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية لسورية، هذا إلى جانب أن القرار السوري باستعادة الغوطة المختطفة قرار نهائي وحاسم لا عودة عنه.
وبالتأكيد إن رفع مستوى التهديد الروسي ليصل إلى حد إمكانية قصف المنصات التي ينطلق منها أي صاروخ باتجاه دمشق يعود إلى عدة أسباب، أولهما قرار دمشق باستعادة الغوطة الشرقية، والثاني هو عمق التحالف الروسي – السوري، ومتانته، والثالث أهمية سورية في الاستراتيجية الرئيسية للأمن القومي الروسي، والتي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إرسال قوات عسكرية روسية إلى خارج حدود روسيا لأول مرة بعد مساعدة الاتحاد السوفييتي السابق لأفغانستان، والرابع الحد من الاستنزاف العسكري لسورية وروسيا، خاصة أن هناك تسريبات إعلامية تتحدث عن استهداف جديد إرهابي بدعم أمريكي لقاعدة حميميم الروسية في اللاذقية بطائرات من دون طيار كما جرى في المرة الأولى.
باختصار.. يمكن القول إن بوادر مواجهة واسعة بين موسكو وواشنطن عموماً غير موجودة كما يتوقع العديد من الخبراء السياسيين والعسكريين، إلا أن روسيا مصرة وجادة في العمل على لجم الرؤوس الحامية في واشنطن، وتنبيههم إلى ضرورة إجراء حسابات دقيقة تجاه أية مغامرة يقومون بها في سورية.