يوم للكذب!
مر الأول من نيسان هذا العام بسلام، دون كذب أو مزاح، إذ عادة تجري فيه بعض أنواع الكذب، الذي يسمونه الكذب الأبيض، أتساءل في سرّي: لماذا لم يكذب عليّ أحد في هذا اليوم؟ هل ملّ الناس من الكذب؟ أم أنهم يكذبون في بقية الأيام فجعلوا منه يوم راحة؟!
تعد هذه المزحة مُنتشرة في غالبية دول العالم باختلاف ألوانها وثقافاتها، وذهبت أغلبية آراء الباحثين إلى أن (كذبة نيسان) تقليد أوروبي قائم على المزاح يقوم فيه بعض الناس في اليوم الأول من نيسان بإطلاق الإشاعات أو الأكاذيب، ويطلق على من يصدق هذه الإشاعات أو الأكاذيب اسم (ضحية كذبة نيسان).
والسؤال: لماذا نكذب؟ وما هي أخطر أنواع الكذب؟
الكذب هو تلفيق وتزييف متعمد للحقائق، بدافع الخوف من النتائج المترتبة على قول الحقيقة أو بغرض الوصول إلى هدف ما أو مناصب معينة كما يفعل البعض في الحملات الانتخابية وغيرها. قد يتطور الأمر حتى يصبح الكذب مرضاً نفسياً، ويعيش الكاذب بالوهم (يكذب الكذبة ويصدقها)، كما يصبح الكذب مهنة عند النصابين والمحتالين واللصوص والحرامية، وعند بعض المتسولين، لكسب المال.
باعتقادي أن أخطر أنواع الكذب هو عندما يكذب المرء على نفسه، وما أكثر من يفعلون ذلك! وهو يتفنن في إقناع نفسه بأنه لا يكذب عليها، فهذا الشخص يخاف ويخشى مواجهة نفسه بالحقيقة. هنا لابد أن نتوقف مع الذات ونحاسبها، وهنا لابد أن نعرف أن الكذب المستمر على الذات هو حالة مرضية نفسية.
لو تأملنا كل ما يدور حولنا وناقشناه مع أنفسنا هل هو كذب أم صدق؟ هل ما يدور حولنا وفي مثل وضعنا، سواء ناقشنا الأمر مع أنفسنا أو مع الغير، هل هو كذب أم صدق؟ هل ما يدور حولنا في هذه الأيام بالذات ومواجهة مشاكلنا الاجتماعية هل هو كذب أم صدق؟ هل ما يدور حولنا فيه كذب على النفس أم على الآخرين؟ عندما نواجه الغير ونرتدي الابتسامة خجلاً من مواجهته، فهذا معناه أننا نعيش حالة ضعف أو أزمة وما أكثر الأزمات عندنا في هذه الأيام، إذ بتنا مأزومين في كل شيء.
للكذب أشكال وألوان وحالاته متعددة ومختلفة، عندما يختلف الواحد منا مع صديقه، أو الأخ مع أخيه ولا يصارح أي من هؤلاء الآخر بالحقيقة، أليس ذلك كذباً؟ وعندما يأخذ الإنسان صديقه بالأحضان والقبلات، وفور مغادرته يبدأ في سبه ولعنه من خلف ظهره، أليس ذلك كذباً ومرضاً؟ وعندما نقول ما لا نؤمن به، ونكتب ما لا نعنيه، ونفعل ما لا نريده، ونتناول الطعام مع من لا نحبهم، ونتزاور مع من لا يجمع بيننا وبينهم أي شيء سوى المصلحة، أليس ذلك كذباً؟ لا بدّ لنا كشعب ومجتمع أن نعرف ونعلم أن الكذب على النفس وعلى الغير هو الذي أوقعنا في الحالة التي وصلنا إليها اليوم، ولا بدّ أن نعرف أن كل مظاهر العجز والألم والتخلف التي نعيشها ترجع إلى هروبنا من مواجهة الحقيقة، والكذب على الذات، إذ إن بعضنا يخاف من الغير أكثر من خوفه من النفس، وهذه هي الكارثة الكبرى.
هناك نوع من الكذب يسمونه الكذب الأبيض، نسمع عن الزوجة التي تكذب على زوجها بغية مجاملته للحصول على المال أو للتستر على أخطاء الأولاد من باب العطف والحنان، وكذلك الزوج الذي يكذب على زوجته -كذباً حلواً- في سبيل إرضائها والمحافظة على حياة زوجية مستقرة، والأولاد يكذبون على الأهل والمدرسة خوفاً من العقاب، وهناك من يكذب ليحل خلافاً حاصلاً بين متخاصمين.
أخيراً، ما أود قوله، إن علينا الابتعاد عن الكذب بجميع أشكاله الأبيض والأسود والحلو والمر، لأن في النهاية حبل الكذب قصير، كما يقال، وعلينا بالصراحة دائماً وأبداً، وحسب الفنان زياد الرحباني (بصراحة.. ما في أحلى من الصراحة)، والالتزام بالصدق لأنه هو الأغلى والأجمل والأثمن في الحياة.
وكل نيسان وأنتم بخير!