كي لا ننسى..سهام قرّو .. مناضلة يجب أن لا يطويها النسيان

 سهام قروّ، أم ماهر، مناضلة شيوعية مغمورة، لم تسلط الأضواء على نضالها في الصحافة الحزبية، ولم تأخذ مكانها الحقيقي بين تلك النساء اللواتي تصدرن الحركة النسائية الديمقراطية خلال أكثر من أربعين عاماً.

لقد بقيت طوال حياتها مرتبطة ارتباطاً عميقاً بالنساء الكادحات، ولم تسع للمجد الشخصي، ولا للتقرب من هذا المسؤول أو ذاك.. لكي تترقى إلى مراكز الحزب القيادية.

أم ماهر، ولدت عام 1936 في بلدة جسر الشغور من أسرة متعهد صغير، وعانت أسرتها شأنها في ذلك شأن معظم المواطنين السوريين البسطاء من كل ما كانوا يعانونه. ومع ذلك استطاعت أسرتها أن تقدم لها كل ما تستطيع من عون كي تدخل المدرسة الابتدائية والثانوية، وأن تتابع دراستها الجامعية.

في أوائل الخمسينيات، تنتسب إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري أثناء دراستها في الثانوية، وبسبب نشاطها الدؤوب ونضالها الذي لا يكل ضد الديكتاتوريات ومن أجل الديمقراطية وحقوق الكادحين، وضد الأحلاف الاستعمارية، تعتقل ويزج بها في السجن، حيث تظل عدة أشهر، تحال بعد ذلك إلى المحاكمة، ويطلق سراحها لتتابع الدراسة وتحصل على الشهادة الثانوية عام ،1957 ولتنتسب فيما بعد إلى كلية الآداب- فرع الفلسفة في الجامعة السورية، وفي الوقت نفسه دخلت سلك التعليم الابتدائي وعينت في إحدى مدارس حلب الابتدائية.

وفيما بعد تعرفت من خلال عملها الحزبي على منير مسوتي، العامل الشيوعي الماهر، الذي بدأ حياته صانعاً في مهنة النسيج، ثم مناضلاً شيوعياً يعمل في الجهاز الطباعي للحزب، واستطاع رغم كل الصعوبات التي عاناها أن يكمل دراسة الحقوق وينال شهادتها.. ومنذ تعرفت أم ماهر إلى هذا المناضل، ارتبطت حياتهما النضالية معاً، وعملا جنباً إلى جنب من أجل تحقيق ما كانا يحلمان به دائماً، وهو العدالة والقضاء على الفقر وتحقيق الكرامة الإنسانية للإنسان.

لقد عاشت هذه المناضلة حلاوة النضال ومرارة الحرمان، وبالرغم من كل الصعوبات التي عاشتها هي ورفيق حياتها، والمعاناة التي سببتها لهما الانقسامات التي عصفت بالحزب في السبعينيات من القرن الماضي، والتي أدت إلى إضعاف دور الحزب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري في حياة البلاد، وبالرغم من وفاة شريك حياتها، في السراء والضراء، عام ،2006 فإن هذه المرأة المليئة حياتها بالأمانة والصدق وحب الوطن والارتباط العميق بقضية العدالة الإنسانية، والناس البسطاء، بقيت مخلصة حتى النهاية لما آمنت به، ولما وهبته حياتها كلها.

إن حياة هذه المرأة، هذه الإنسانة، هي نموذج حي لكل ما هو جميل وحقيقي وإنساني وشجاع عند شعبنا الأبي، وهي تجسيد لكل تقاليده الكفاحية ضد الظلم والاضطهاد، ومن أجل مستقبل أفضل.

إن حياة هذه المناضلة يجب أن تبقى حية وماثلة في أذهان المناضلين والمناضلات الشباب، حفاظاً على هذا الإرث الكفاحي الذي يجب أن لا يطويه النسيان.

العدد 1140 - 22/01/2025