الانتخابات الرئاسية الفرنسية ستحسـم لصالح اليمين
بدأت مناظرات اليسار الفرنسي لتحديد المرشح الذي سيقوده إلى الانتخابات الرئاسية، في مواجهة اليمين الممثل بفرنسوا فيّون، واليمين المتطرف الممثل بمارين لوبين.
رئيس الوزراء السابق مانوئيل فالس يعي تماماً أن اليسار الفرنسي في حالة ميئوس منها، هذا ما قاله عند بدء المناظرة، وأن الفرنسيين فقدوا تماماً الثقة باليسار خصوصاً بعد حكم فرنسوا هولاند، الذي يجب التذكير بأنه لا يحظى إلاّ بأربعة في المئة من أصوات الفرنسيين، الأمر الذي منعه من تقديم ترشيحه لولاية ثانية. وهناك توقعات بخروج اليسار من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، فلهذا السبب ترشح مانويل فالس، كمخلّص لهذا اليسار الفرنسي وجمهوره.
لكن الشيء الأهم والذي يتغاضى عنه السيد فالس، أنه كان جزءاً لا يتجزأ من السياسة التي اتبعت خلال الخمسة أعوام السابقة في فرنسا، وأن الأحاديث والآراء التي أدلى بها طول هذه الفترة، والأعمال التي قام بها، ساهمت هي أيضاً بانعدام ثقة الفرنسيين بالحكم الاشتراكي الحالي. فمهما حاول نفي مسؤوليته كرئيس وزراء،فإنه يبقى شاء أم أبى من المسؤولين الأوائل عن هذا الفشل، الذي وضع فرنسا في حالة صعبة وحساسة للغاية.
إن المرشحين اليساريين يتناحرون منذ وقت طويل فيما بينهم، لوراثة الرئيس فرنسوا هولاند، لكن من يريد كرسيّه يجب عليه، قبل كل شيء، أن يأخذ على عاتقه فشل حكم هذا الأخير، الذي رمى فرنسا في أتون كان باستطاعتها تفاديه.
رئيس وزراء فرنسوا هولاند السابق، ليس له أي مكان في محور اليسار الفرنسي، لأن أفكاره هي اقرب إلى اليمين من اليسار، فإن افترضنا أنه ربح المناظرات، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية، ففرنسا لن تغير شيئاً مما هي عليه الآن، بينما يوجد إرادة وضرورة عند أكثرية الشعب الفرنسي لتغيير النهج السياسي المتبع حالياً في بلادهم.
إذا نجح رئيس الوزراء السابق مانوئيل فالس في المناظرات، فإن من المؤكد، أن الحملة الانتخابية بينه وبين فرنسوا فيون ومارين لوبين، ستكون يمينية بحتة، وأفكار اليمين ومشاريعه ستهيمن على فرنسا. فالس يعتبر من أكثر اليمينيين في الحزب الاشتراكي الفرنسي، وإن من يسمعه جيداً يعي ذلك.
اما إيمانويل ماكرون، فهو لم يكن معروفاً على الساحة السياسية، قبل أن يصبح وزير الاقتصاد في حكومة فالس. والفشل الاقتصادي في عهد فرنسوا هولاند عائد بعض الشيء إليه، لكن هو أيضاً، سيحمّل الرئيس الفرنسي الحالي كل الأخطاء كي ينقذ نفسه.
ماكرون الآتي من عالم المال، والمعروف من هم مموّلو حملته، وكغيره من سائر المرشحين أكانوا من اليسار أو من اليمين، هو مدين معنوياً وسياسياً لهؤلاء الممولين، هذا يعني أنه مهما حاول تحسين صورته، لكي يبدو مرشح الشعب، لن يستطيع طويلاً إخفاء عباءته البورجوازية.
أما المرشح جان لوق ميلانشون، فهو من المعارضين القاسين تجاه سياسة فرانسو هولاند ورئيس حكومته السابق مانويل فالس.
عدا ذلك فإن ميلانشون انتقد نقداً لاذعاً اكثر من مرة تبعية فرنسا العمياء لأمريكا في العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط وسورية تحديداً.
ميلانشون هو من الرافضين كليا لسياسة الحلف الاطلسي، ويتمنى خروج فرنسا من هذا الحلف ويسعى دائما في هذا الاتجاه، مؤكداً أن فرنسا بمشاركتها وانضمامها إلى الحلف الاطلسي تفقد سيادتها واستقلالها، وهذا رأي الكثيرين في فرنسا.
الحملة الانتخابية في فرنسا وصلت إلى أوجها، والتكابش السياسي مسيطر تماماً على الساحة العامة، والصحافة المرئية والمسموعة تتكلم يومياً بهذا الموضوع إلى درجة إغاظة الرأي العام الفرنسي من كثرة التكهنات في هذا الموضوع. كثر هم المرشحون، الطامحون إلى الرئاسة والذين يحاولون شراء ثقة الفرنسيين
من خلال أحاديث وخطابات متغيرة من حين إلى آخر، على مثال مرشح اليمين فرنسوا فيون الذي شدد في إحدى المناظرات على أنه يجب التكلم مع الرئيس بشار الأسد لإيجاد حل في سورية، وأنه إذا أصبح رئيس جمهورية فرنسا، فإنه سيعيد العلاقات الدبلوماسية مع سورية على ما كانت عليه قبل الحرب، وأنه المدافع عن مسيحيي الشرق الذين بأغلبيتهم يؤيدون الرئيس بشار الأسد، وهو يعلم بذلك.
ثم عاد وغيّر رأيه ناعتاً، في إحدى المقابلات مع الصحفي جان- جاك بوردان، الرئيس بشار الأسد بالديكتاتوري، والمخادع، ولم يسلم الرئيس السابق حافظ الأسد من غطرسة فرنسوا فيون، إذ نعته أيضاً بالديكتاتوري.
لاحظ عدد لا بأس به من الفرنسيين وخصوصاً من محبّي سورية، أن كلام فيّون عندما اشترك في المناظرات كان فقط لإرضاء شريحة من الناخبين، ما جعل البعض منهم يشكّون فعلاً بنواياه الحقيقية طارحين عدة تساؤلات عن هذا التغير في الكلام واللهجة، ما زاد من شكوكهم، تجاهه.
كلام رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون أتى بعد أن زار ثلاثة نواب من اليمين سورية ولقائهم الرئيس بشار الأسد، وعدة مسؤولين، وعدد كبير من شرائح الشعب السوري والمدن السورية وخاصة حلب، فاضحين من خلال زيارتهم كذب الوسائل الإعلامية الفرنسية ونفاق سياسييها. فبعد إرضاء جزء من للناخبين، لربح المناظرات، لعل السيد فيون يرى نفسه مجبراً بعد زيارة النواب الثلاثة من اليمين سورية على إرضاء مموليه وأصدقاء آخرين.
ليس على الفرنسيين إلا أن ينتظروا انتهاء مناظرات اليسار، لكي يضعوا كل قواهم في الحملة الانتخابية الرئاسية القادمة، التي لن تشبه كل الانتخابات الرئاسية السابقة.