لماذا يخاف البعض من التقاعد؟!
لا أحد يتصور أن موضوع الإحالة على التقاعد في بلادنا يثير الكثير من الهواجس والقلق، لابسبب الأزمة التي تعيشها سورية، فهذه الهواجس موجودة من قبل، وكل من يحال على التقاعد يحس أن شيئاً ما أغلق في هذه الحياة، أو أن أوان الرحيل قد اقترب. فأية نعمى ينتظر الموظف من تقاعده؟!
التقاعد في العالم (حق) و(ميزة) و(فرصة) واسعة للراحة لمن يقوم بتقديم جزء من حياته لعمله، لذلك ترى المتقاعدين في بلاد العالم ينظمون رحلات ترفيهية وسياحية إلى أجمل المناطق، فيقضون أجمل لحظات العمر في أوقات سعيدة لا همّ في رؤوسهم ولاقلق في صدورهم!
الذي يحصل لدينا مأساة حقيقية وقد لايصدق ذلك كل المعنيين في الأمر، ويقومون بالدفاع عن واقع الحال، وتبريره، ثم لايلبث الزمن أن يفاجئهم بتقاعد هزيل يحتاج إلى شفقة. فماذا يفعل المتقاعد لدينا؟!
أنا سأجيب على النموذج القريب مني أي (الكتاب والصحفيون)، فأول مايقوم به (المتقاعد) تأمين براءة الذمة، وفي الإذاعة والتلفزيون يجب أن يوقع عليها عشرات الأشخاص من أمين مستودع الأخشاب، إلى أمين مستودع الملابس، إلى أمين مستودع السيوف في الأعمال التاريخية، فضلاً عن الأشرطة والكابلات والمسجلات وأخيراً اللابتوبات التي وُزّعت على من لاعلاقة لهم بها!
عندما يؤمّن المتقاعد براءة الذمة، يبدأ بملاحقة معاملة التقاعد، وعلى الأرجح أنهم يسببون له جلطة قبل أن تظهر تعويضات التقاعد، فاتحاد الصحفيين يؤمن له عشرة آلاف ليرة، والتأمينات تأكل راتبه، واتحاد الكتاب يؤمن له ستة أو سبعة آلاف ليرة..
بعد ذلك يصاب المتقاعد (بعلّة) في قلبه أو رأسه نتيجة الإحباط، فيبحث عن الدواء والعلاج، وفجأة نقرأ نعوته في الشارع، ويبدأ ورثته صراعاً من نوع جديد، فمن يحق له (الاستفادة) من (تركة) التقاعد (الضخمة)؟!
وأخيراً تنحصر بزوجته تركة مبلغ لايصلح لشراء خمس سندويشات شاورما؟!
بربكم؟! هل هذه حلول اتحاد الصحفيين؟
أنا شخصياً أدفع عشرات الألوف سنوياً ولا أعرف لماذا، وعندما رفعوا سقف تعويض الدواء جاءنا تعميم علق على الجدران يقول: نزف إليكم قرار رفع السقف 500 ليرة، وعليك ياصديقي الصحفي أن تأتي بالوصفة وتأخذ تكسي إلى الجسر الأبيض، ثم تنتظر ليحسموا منها فارق التسعيرة ونسبة الثلث، فيبقى لك عدة مئات من الليرات، بعد اجتماع مجلل للجنة مختصة قد تكون تخرجت من السوربون؟!
أما في اتحاد الكتّاب، فحرام.. حرام أن نظلمهم.. فإنهم يسمحون للكاتب أن يكتب بعد التقاعد حتى وهو لايجيد مسك القلم.. لذلك حسموا المسألة، فالكاتب المتقاعد عند اتحاد الكتاب صورة عن حالته وهو يبحث عن مكان يكتب فيه!