في الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية..نمر: الانتصار السوري يفتح أفقاً جديداً لحركة التحرر الوطني العربي
ألقى الرفيق حنين نمر (الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد) كلمة باسم حركات التحرر الوطني العربية، هذا نصّها:
الرفيق المناضل أبو أحمد فؤاد، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين!
الأصدقاء والرفاق ممثلو فصائل حركة التحرر الوطني العربية والفصائل والمنظمات الفلسطينية والأحزاب والقوى الوطنية السورية!
السادة سفراء الدول الصديقة!
أيها الأصدقاء والرفاق الحضور مع حفظ التسميات والألقاب!
يشرّفني أن أنقل إليكم تحيات الفصائل العربية المناضلة في إطار حركة التحرر الوطني العربية، وتحيات قيادة الحزب الشيوعي السوري الموحد، الحزب الحليف للجبهة الشعبية، جبهة القائد الوطني الكبير والرمز التاريخي جورج حبش، كما أزجي التحية لقوافل شهداء الجبهة، وعلى رأسهم الشهيد أبو علي مصطفى، وشهداء الثورة الفلسطينية جميعاً، ولا بدّ من إزجاء التحية للقائد الشجاع أحمد سعادات، الأمين العام لجبهتكم، الذي يقارع العدو من زنزانته، بروح معنوية ولا أعلى.
إن الذكرى الخمسين لانطلاقة جبهتكم هي ذكرى نعتز بها، ليس على صعيد اليسار الفلسطيني واليسار العربي فحسب، بل على صعيد حركة التحرر الوطني العربية التي احتضنت جبهتكم، فأعطيتموها نضالاً وشهادةً وفكراً ونموذجاً إنسانياً وقومياً تقدمياً وأممياً. فقد واءَمتم بين العروبة والانفتاح الأممي على حركات التحرر والاشتراكية في العالم، وبين البعد القومي الجامع، والظروف القطرية لكل بلد عربي، بين الصراع الطبقي ومهمات المسألة الوطنية.
إننا نحيّي فيكم فهمَكم العميق للقضية الفلسطينية، بوصفها القضية المركزية للشعوب العربية، والحفاظ على هذه البوصلة دون انزياح أو تردد، مع ما يتطلبه ذلك من تكريس كل جهودكم الصادقة لتحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، ولتحقيق أوسع تضامن عربي في صالح قضيتكم، لقد وضعتم قضية فلسطين في إطارها الصحيح، بوصفها جزءاً أساسياً من المعركة ضد الإمبريالية وضد الصهيونية، ومن أجل حرية العرب وتقدمهم.
نحيّي فيكم إدراككم المبكر لطبيعة الصراع في سورية وعلى سورية، وعلاقة هذا الصراع بالقضية الفلسطينية. فقد اتضح للقاصي والداني أن الحرب التي شُنّت على سورية وماتزال، أساسها المصالح الأمريكية الاستراتيجية، الساعية إلى الهيمنة المطلقة على العالم، وحماية إسرائيل، والسيطرة على الثروات العربية.
ومن هنا، فقد انطلقت الغزوة المتوحشة التي حصدت ملايين السوريين شهادة ً وتدميراً وتشريداً ولجوءاً وهجرةً، ليس من أجل (الديمقراطية)- كما يزعمون، بل لنسف الدولة الوطنية السورية، وإقامة نظام أجير تابع للمخابرات المركزية الأمريكية، يتولى شطب الدور القومي السوري في القضية الفلسطينية، وفي احتضان ثورتها والحؤول دون تصفيتها.
إن انكشاف طبيعة الحرب ضد سورية قد ساعد كثيراً على هزيمة مدبريها ومخططيها ومموليها، أمام بسالة جنود وضباط الجيش العربي السوري الأشاوس، ودعم الحلفاء والأصدقاء.
واليوم، يتكرر المشهد السياسي ثانيةً، إنها الحرب على فلسطين، تلك الحرب التي لم تهدأ طوال القرن الماضي. وليس في القرار الأمريكي الأخير أيُّ جديد سوى طابعه الاستفزازي الوقح، وتطاوله على مقدسات العرب، وإعادة رسم خرائط جديدة لفلسطين. وليس في الأمر أي مفاجأة، خاصة بالنسبة لمن يفهمون إسرائيل ومهمتها في المنطقة، لذلك فإن قرار ضم القدس ونقل السفارة الامريكية إليها، يأتي في سياق محو الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وطيّ صفحة عروبة فلسطين وتصفية قضيتها، وتجميد ما يسمى بعملية السلام التي لم تأتِ بالخير على مستقبل هذه القضية.
إن السؤال الآن ينصبّ على دوافع الرئيس الأمريكي بالإقدام على هذه الخطوة بالصورة التي فيها خرق للقوانين والاتفاقات الدولية المتعلقة بالقدس. أما الجواب فهو أن أمريكا تستعجل الخُطا في هذا الصدد قبل انهيار النظام السعودي، الذي كان وما يزال الداعم الوحيد لقرار القدس، والذي يعيش سلسلة من الإخفاقات.
فقد انهزم أمام سورية وأمام العراق وأمام اليمن وأمام لبنان، وهو قد بدّد أموال النفط العربي وأنفقها على حملات تسليحية خيالية للعملاء والمرتزقة أينما كانوا، على حساب القضية الفلسطينية، كما أنه يحضّر- وهو الأهم- من أجل قيام حلف سعودي إسرائيلي يكتسح المنطقة العربية بكاملها.
إن الرجعية العربية لم تدرك بعد أن ميزان القوى في العالم قد تغيّر في غير مصلحة النظام الأحادي القطبي، ولم يعد بمقدور ثمانين دولة في العالم يترأسها أكبر وأقوى الدول، مع مئة ألف مرتزق، قهر دولة مثل سورية.
إن الانتصار السوري فتح أفقاً جديداً أمام حركات التحرر الوطني العربية، لكي تستجمع قواها وتوحّد نفسها، وتصيغ برنامجاً جديداً للإحياء والانتفاض بوجه الإمبريالية والصهيونية. ويجب أن يُستوعب الدرس أيضاً أنه لا تجوز المراهنة إلى ما لانهاية على دور أمريكي أو غربي نزيه، ذلك أن تجربة 20 عاماً من اتفاق أوسلو كفيلة بنزع مثل هذه الأوهام، وإعادة الاعتبار لدور الجماهير الشعبية العربية، وفي المقدمة منها الجماهير الفلسطينية وفصائلها المقاومة.
إن الوقت الآن هو الأنسب للخروج من دائرة التردد وانتظار ما قد يكون الأسوأ.
إن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وكل المقاومين للاحتلال مدعوون اليوم إلى إزالة الانقسام، والتوجّه الصادق والجدي نحو الوحدة الكفاحية، والتخلص من الاعتبارات الفئوية، واستنفار كل الجهود وكل أشكال النضال، لجعل معركة القدس الآن بوابة فلسطين والعرب الشرفاء للنصر.
دمشق 8/12/2017
حنين نمر
الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد