بيتي هناك عند رأس التلة!

أمضيت نصف عمري أحلم ببناء بيت لي في قريتي الجميلة عسال الورد، وقد ساومني الحلم إلى الدرجة التي قبلت فيها أن يكون هذا البيت في البرية، والبرية في عرف أهل القرى معرضة للوحوش ولاتصلح للسكن أبداً، ويقال: ترك الناس وسكن بالبراري.. وقبلت!

قلت في نفسي، وأنا أحلم: هي فرصة جميلة لتجربة يقولون عني فيها (الراقص مع الذئاب)، وأنتم تعرفون بالطبع أن الراقص مع الذئاب هو فيلم سينمائي جميل مثّله المخرج الأمريكي كيفين كوستنر بشخصية دنبار عام 1990.

لم أكن أتصور أن يصبح الحلم حقيقة، فأنا لا أملك أرضاً لا في البرية ولا في  القرية، ولا أملك مالاً لبناء بيت أو حتى وكر لذئب.. تيسرت الأمور فتوفرت لي أرض في رأس التلة تجاور خزان الماء، وصدر قانون البناء في الأراضي الزراعية، وتجمّع معي نحو 300 ألف ليرة!

وبدأ الحلم يتحقق!

قلت سأسمي بيتي بالبيت الأزرق، فأقوم بطلاء الجدران باللون الأبيض، والنوافذ بالأزرق السماوي، وأشتري قرميداً يناسب هذا اللون، وقد قيل لي إن هناك قرميداً كحلياً يأتي من حلب، وهذا يعني أن الطقم سيكتمل!

فكرة البيت الأزرق، جاءت من اعتقاد انتابني بأني سأغيظ سكان البيت الأبيض الأمريكي، لأن بيتي سيكون أكثر إثارة من بيتهم، وخاصة عندما أزرع حوله الياسمين الدمشقي والنخلات الثلاث التي وعدني بها صديق لي صاحب مشتل، فضلاً عن غابة الكرز الصغيرة المزروعة بكرز من نوع قوس قزح!

كل شيء سار طبيعياً إلى أن أصبح البيت واقعاً فعلياً: غرفتان وصوفا وتراس صغير، ولكن (على العضم) كما يقولون!

لفت (البيت الأزرق) أنظار الجميع إليه، فقد غيّر شكل التلة، ورنت العيون نحوه، وكثرت الأسئلة: لمن هذا القصر عند خزان الماء؟ من من الغرباء الأثرياء غامر وسكن هناك؟ هل هو لقطري أو سعودي أم كويتي؟ وهم يعرفون أن ثمة تلالاً كثيرة نسبت لأصحابها.. وكان الجواب يفاجئ الجميع عندما يعرفون أن البيت لي، ولاينتبهون إلى أنه غرفتان وصوفا!

لا أخفيكم.. وأرجو أن لاتحسدوني، فلم تنته القصة بعد، فقد زادت كمية من أسفلت أحد المتعهدين عن تعهد رسا عليه في القرية، فسأل البلدية: أتحتاجونها؟ وكان الجواب: ليكن! ضعها في طريق الخزان.

وهكذا صار الطريق إلى بيتي في رأس التلة معبداً!

اصطحبت أصدقاء كثيرين إلى هناك ليتفرجوا على المشروع التاريخي الذي حلمت به، وكانوا ينظرون من فوق إلى القرية، ويقولون: (كأنك تعيش في طائرة!).

كان ذلك قبل ثلاث سنوات.. أما اليوم، فبيتي لايزال عند رأس التلة.. ولم أسكنه، بل لا أستطيع أن أزوره، لأن تلك المنطقة غير آمنة بعد.

أخاف عليه كثيراً، كما أخاف على سورية، ورغم أنه على الهيكل، فقد ظل يثير الأسئلة، وقناعتي التامة هي أن سيكتمل، وسيعرفه الناس فعلاً بالبيت الأزرق على رأس تلة اسمها تلة سورية!

العدد 1140 - 22/01/2025