ما الذي غيّره الديك في حياتنا؟
دخل الديك على حياتنا منذ فترة قصيرة، فالحارة التي أسكن فيها ليست في الريف، بل هي بعيدة عن القرى مسافة طويلة، ومن النادر أن يقوم أحد السكان بتربية حيوانات أهلية توحي بجو الريف!
وقد بدأت القصة عندما تحولت لحظات الفجر الأولى في حارتنا إلى لحظات خاصة تطرح فيها الأسئلة، فكثيرون كان الديك يوقظهم بصياحه اليومي غير عابئ بأي احتمال، كأن يكون أحدهم قد نام متأخراً أو أنه سهر حتى ساعة متأخرة من الليل، أو أن الفجر لايعني الكثير لمن ينامون بعد الثانية عشر ليلاً!
سأل البعض:
– من أين جاء الديك؟!
وقال آخرون:
– ربما يكون تسجيلاً على منبه عالي الصوت يستخدمه صاحبه بدلاً من تلك المنبهات التي تعتمد على الرنين أو الموسيقا!
واستقر الرأي أخيراً على أن الديك هو ديك حقيقي، ينفش ريشه عندما يستيقظ، ويبدأ بالصياح. واكتشف الجيران أن ملكية الديك تعود إلى بيت أبي علاء، وفي بيت أبي علاء حديقة صغيرة يمكن أن تتسع لعدة دجاجات إضافة إلى الديك الذي يشغلنا بصياحه اليومي..
مع الصياح اليومي للديك، هناك شيء ما تغير في حياة السكان، فقد صاروا ينهضون باكراً، ويفتحون النوافذ، ويرمي كل منهم التحية على الآخر، وصار بعضهم يصل إلى عمله في وقت أبكر من المعتاد رغم الازدحام والحواجز المتعددة على الطرقات.
وعلى عكس المتوقع، فإن أحداً لم يحتج على أبي علاء، بل صار يفاجأ بتحيات من المارة لم يكونوا يلقونها عليه من قبل!
ومما تغير أيضاً، أن طلاب المدارس الذين كانوا يسهرون الليالي لمراجعة كتبهم قبل الشروع بتقديم امتحاناتهم، أصبحوا يستيقظون باكراً، وتحولت أوقات دراستهم إلى ساعات الصباح الأولى بدلاً من ساعات الليل الأخيرة.
وهناك شيء آخر كان يجري دون أن تكشف تفاصيله إلا بعد أسابيع من بداية تلك التغيرات في حارتنا، ذلك الشيء هو الدعاء.
نعم.. الدعاء!
فعند بزوغ الفجر، وتعالي صياح الديك، ينزوي أولئك الذين استيقظوا في ركن يطل على الجنوب، ويهمسون من قلوبهم دعاء صادقاً كي تنجو البلاد من محنتها الصعبة التي أحرقت الأخضر واليابس..
لم يكن يخطر ببالي شيء من هذا إلا عندما أيقظني الديك قبل أكثر من أسبوع، نعم، شعرت أن الله ينتظر مني شيئا ما.. غص حلقي بالبكاء، وقلت:
– يارب أنقذ سورية من أعدائها..!
نعم.. هكذا تغيرت عادتي عند الصباح، فعندما يصيح ديك جارنا أبي علاء، أحس بأن الفجر قادم. أنهض وأشرب الماء، وأفتح النافذة، وأردد:
– يارب اترك لنا سورية، وخذ ماتشاء!