عيد التلفزيون.. أناقة الأيام الأولى: الإذاعة أمه وأخته!
أطلقت أسماء كثيرة على التلفزيون في العالم، لأنه (الجهاز السحري) الذي أدهش العالم زمناً طويلاً، وأثر تأثيراً كبيراً في الثقافة الاجتماعية والجماهيرية، ورغم أن اسم (الدواء الشافي) كان من الأسماء اللافتة التي يذكرها الباحثون عن هذا الجهاز، فإن نسبة كبيرة من الأبحاث المعاصرة تتحدث عن الأمراض التي سبّبها جهاز التلفزيون بين مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية.
كان التلفزيون في العالم غرفة زجاج شنت عليها هجمات كثيرة بالحجارة دون أن تتحطم، فقد وصمه جمهور المشاهدين في العالم بعدة صفات، من بينها أنه جهاز مميز ودقيق ومتعصب، واتهموه بـ(تحطيم البنيان الأسري وتجريدنا من حريتنا الشخصية)، لكن كل هذه الاتهامات والأوصاف لم تستطع الإقلال من أهميته. وكما يقول جون يتنر، فإن (هناك حقيقة لاشك فيها، وهي أن هذه الوسيلة الإعلامية أصبحت إحدى أقوى وسائل الاتصال في تاريخ الحضارة الإنسانية).
في سورية، ظهر التلفزيون في 23 تموز 1960 ولم يأخذ التلفزيون أهمية كبرى في حياة السكان إلا بعد أن ظهر شيء من الاستقرار السياسي. ويمكن القول إن هذا الظهور قد تأخر، وكان الفارق بين أول إشارة بث تلفزيوني في العالم، وأول إشارة بث تلفزيوني في سورية، نحو نصف قرن!
كانت الإذاعة هي الأسبق والأعرق أهمية ومهنية، وكان الكادر الإذاعي هو الأكثر مهارة في العمل، لذلك فإن أي حديث عن ظهور التلفزيون في سورية لن يكون معزولاً عن الإذاعة.
ظهر التلفزيون العربي السوري في 23 تموز عام 1960 في احتفالية خاصة أقيمت بمناسبة ذكرى ثورة تموز التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولأن سورية ومصر كانتا آنذاك تندمجان في دولة واحدة هي الجمهورية العربية المتحدة، فإن إطلاق التلفزيون في مصر اضطر الحكومة المركزية إلى إطلاقه في سورية في اللحظة نفسها!
ظهر البث التلفزيوني السوري في الساعة السادسة من ذلك اليوم، واستمر نحو نصف ساعة، وكان السوريون يترقبونه في عدد من مقاهي العاصمة دمشق وساحاتها، حيث وزعت عدة أجهزة للتلفزيون احتفالاً بالمناسبة. وخلال السنوات العشر الأولى، قدم التلفزيون نفسه أنيقاً متزناً، وبنى خبراته سريعاً، وبحث عن هوية تليق به. فثبتت الدراما التلفزيونية مرتكزات صناعة فنية مميزة، قطف السوريون ثمارها فيما بعد، وثبتت البرامج هوية تلفزيون الأسرة، وهي الهوية التي جعلت جمهور المشاهدين العرب يثقون به ويضعون محطته على مفضلتهم في عصر الفضائيات.
وإذا كان التلفزيون السوري قد ظهر في مثل هذه الظروف المهنية الصعبة، فإن يد العون مُدّت له من جميع الجهات والفنون، أما الإذاعة فهي أخته الكبرى التي أسهمت بنضجه وتربيته وأرضعته من حليبها، فأصبحت أمه وأخته، في آن واحد.
التلفزيون والإذاعة اليوم يخوضان حرباً مع العالم من خلال الإعلام المعاصر، فمن ينتصر؟!