الدهشة! ورسالة الحاج زهدي جانكري شكاي قبل رحيله..
يمكن لك عزيزي القارئ أن تقرأ أو تسمع كثيراً عن الدهشة.. لقد تحدث عنها الكثيرون انطباعاً يصادفه الإنسان في إحساسه ومشاعره ومشاهداته، لكن الفلسفة حسمت المسألة، فاعتبرتها – أي الدهشة – جزءاً منها، لأن الاندهاش من الظواهر التي يعرفها الوجود، خاصة تلك التي لم يستطع الإنسان أن يجد لها تفسيراً. وكما يقول هيدغر (إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل). لكنه تساؤل يحتاج إلى أجوبة أكثر إقناعاً، خاصة إذا ماسلمنا مع شوبنهاور بأن الدهشة الفلسفية تفترض في الفرد درجة أعلى من التعقل.
هل تغرينا الفلسفة أكثر من الواقع في الحديث عن الدهشة؟ لانريد جواباً محدداً.. ولن نتابع الحديث عن الدهشة والفلسفة، لأن الفكرة جاءت من الحاج زهدي!
هل تعرفون الحاج زهدي؟!
هو المواطن السوري الحاج زهدي جانكري شكاي؟!
كثيرون يعرفونه لأنه مواطن سوري أدهش العالم الذي سمع قصته، ومن هنا كان مفتاح حديثنا عن الدهشة التي أوصلتنا إلى الفلسفة.
نعم أدهش الحاج زهدي العالم..
يقول الخبر:
(انتقل إلى رحمته تعالى الحاج زهدي جانكري شكاي، في مدينة القنيطرة التي رفض الخروج منها طوال حياته، وتحدى بذلك حتى الإسرائيليين).
تعود حكاية الدهشة إلى حزيران عام 1967 عندما عجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن إخراج الحاج زهدي من بيته في مدينة القنيطرة التي تجوبها الدبابات ويقصف الطيران أشجارها وأزهارها وتاريخها.. لم يترك أبو زهدي بيته، ظل فيه مع زوجته رغم أن إسرائيل أشعلت الأرض من حوله بالموت والدمار، فهذا المواطن السوري تعلم أن الأرض له، وأن المحتل غريب عنها، وأن عليه أن يتمسك بها مهما حصل!
لكن لم يبق أحد غيره!
هكذا قال مراسل إحدى المحطات التلفزيونية، وهو يبعث بتقريره عن الحاج زهدي إلى كل مشاهدي العالم، أي أن موقفاً مثل هذا يستحق الدهشة، وسأل الحاج زهدي: ألم تشعر بالخوف؟ وبالطبع كان جوابه صادقاً: نعم، شعرت بالخوف، ومع ذلك قررت البقاء..!
هي صورة من أصدق الصور الإنسانية في العالم.. ولكن السؤال الصادم الذي كان يعتبره الحاج زهدي طبيعياً، كان يوم شرعت إسرائيل بتدمير كل شيء في القنيطرة قبل الانسحاب منها إثر حرب تشرين في الجولان.. كان السؤال: هل خاف الحاج زهدي؟
وكان الجواب: هذه المرة، لا.. الإسرائيليون.. هم الذين كانوا خائفين.. مروا أمامي بارتباك.. وقال واحد منهم: باي حاج زهدي، نحن ننسحب من القنيطرة!
الحاج زهدي يبتسم.. وهو يسقي أشجاره وأزهاره الجميلة حول بيته في القنيطرة!
هكذا إذاً، يموت الحاج زهدي، ولايخرج من الوطن، وكأن هيدغر عندما تحدث عن الدهشة في الفلسفة كان يقصد الحاج زهدي، وكأن شوبنهاور عندما تحدث عن الدهشة في الفلسفة، كان يقصد الحاج زهدي، وكأن الفلسفة كانت تقصد الحاج زهدي!
وداعاً صديقي السوري الذي لم يدهشني أبداً!