على هامش الرحيل المفاجئ للفنان السوري العالمي وليد محمود بقي اسم سورية على حجر البازلت!
أخفق النحات السوري العالمي وليد محمود في إقامة معرضه الأول في سورية، كان تواقاً ليعرض منحوتاته الكثيرة المدهشة، ومن بينها منحوتتاه الرائعتان اللتان أشتغل عليهما بإحساس مرهف مجبول بنبض الوطن: منحوتة دمشق ومنحوتة سورية..
دمشق وهي تتجدد كطائر الفينيق، وسورية وهي تجدل شعرها بكل تلاوين البشر الطيبين من أبنائها..
عندما رحل وليد محمود كانت قد بقيت عدة ساعات على افتتاح معرضه الأول في مدينة جبلة السورية القريبة من مدينة اللاذقية، وكان يعد العدة ليكون المعرض تظاهرة فنية تليق بسورية في زمن الحرب الكونية عليها..
أطلق على معرضه اسم: جباليا..
وبين جباليا ودمشق مسافة تشبه المسافة بين الروح والجسد.. تندمج معه إلى آخر لحظة.. ووليد محمود وهو يمسح آخر حبات العرق عن جبينه بعد منحوتته الأخيرة في معرضه العتيد الذي لم يفتتح، كان متفائلاً بغد آخر لسورية تنتهي فيه الحرب، ويعلن السوريون انتصارهم على العالم البغيض الذي يشعل النيران في جسد وطنهم العظيم..
فجأة، ودون استئذان، رحل الفنان النحات وليد محمود.. مات عند حافة البحر، وعند حافة البحر ينصت الموج إلى نبض السوريين الطيبين ولهاث الشهداء وهم يلوحون للوطن الغالي بآخر تلويحة يد لا تعرف الاستسلام.. لم يكن قد مضى أسبوع واحد عندما كتبت عن مكاسرته العنيدة مع حجر البازلت القاسي، وهو ينحت منه تحفه الرائعة التي شغلت معارض كثيرة في العالم.. لم يكن قد مضى أسبوع عندما لوح وليد محمود بيده، ومضى إلى العالم الآخر، فرحاً بمعرض لم يتسنَ له مشاهدة السوريين وهم يتدفقون إليه
أنا زعلان منك ياوليد..
كان عليك أن تفتتح المعرض الأول في سورية ثم ترحل..
بسيطة.. الأعمار بيد الله..
في آخر اتصال بيننا في اللاذقية، وقبل وفاتك بساعة أو ساعتين، طلبت مني أن لا أعود إلى دمشق قبل أن نفتتح المعرض ونحتفل به مع مجموعة من أحلى شباب سورية.. قلت لي:
يجب أن تحضر كل ما أعددناه لهذه التظاهرة.. كل شيء.. كل شيء.. وفي آخر ما كتبته لي على الفيسبوك عبارة: كن بخير..
أنا بخير، ولذلك كان علي عندما سمعت بالخبر أن أسافر سريعاً إلى وادي القلع في أعالي جبال اللاذقية، وأبكي أنا وأمك الطيبة التي حضنتني بحزن.. أمك أمي كما قلت لك!
رحمك الله.. كنت متمرداً وشجاعاً وفناناً.. فناناً.. فناناً.. تقدر على لي ذراعي بفنك! لكن القدر لوى ذراعك، وترك لك حبك لسورية محفوراً بأصابعك على حجر البازلت القوي الصلب!