مكاسرة مع البازلت! (منحوتات الفنان وليد محمود الجديدة)
لم نتعرف على صخور البازلت إلا من خلال حجارة الأرصفة، فصخور البازلت حجارة بركانية سوداء صلبة توحي لمن يتأملها بقساوة القلوب وتجريد صورة الموت فضلاً عن دلالات سوادها!
وهذه الأيام.. الأدب في سورية مشغول.. وكذلك الفن.. والتصوير.. والنحت.. كما هي الأشياء كلها التي تنبض في المرجل السوري.. لا يمكن التكهن بما تنتجه العقول والنفوس المبدعة السورية، وبلادها تعيش أصعب ظروف يمكن أن تمر بها البشرية وهي الحرب!
تعرفت على مجموعة من أعمال النحات العالمي وليد محمود في مدينة جبلة السورية، ورغم أن التعرف عليها كان سريعاً إلا أنني رحت أبحث عن صورها لأستعيد لحظات الدهشة التي تشكلت عندي وأنا أشهدها في مدينة جبلة في بيت مقتني عدد منها وهو عماد حيدر!
توقفت عندها طويلاً أحاول قراءة نبضها الواضح، وفيما بعد توفرت لي الظروف لمشاهدة مكاسرة أسطورية بين هذا النحات وحجارة البازلت، و كانت تطير الصور إلي من مشغله ساعة بعد ساعة، وخطوة بعد خطوة، فأشهد ولادة الفكرة والصورة معاً..
كان ممتعاً أن أتعرف على تحفة سورية وهي تولد في زمن صعب.. كان ممتعاً لأن التحفة هي عن سورية، وكان ممتعاً أكثر أن حجر البازلت بعد المكاسرة كان يكتسب قلباً ونبضاً ودفئاً ومعنى، فهل يمكن الحديث عن نبض لحجر؟ عن معنى لحجر؟!
فكرتان هامتان توقف عندهما هذا النحات السوري الأسطوري:
– سورية!
– دمشق!
فهو يريد أن تظهر سورية في منحوتاته بكل تلاوينها. هو لايراها إلا بتلاوينها، تلك التلاوين التي يجري العمل اليوم على تفتيتها وإلغائها، وإخراجها من الجسد السوري، أو إخراج الروح السورية منها..
وهو يريد أن تظهر دمشق سيدة المدن، كما هي دائماً.. إنها طائر الفينيق وهو يتجدد على رأس العالم..
قال لي عن منحوتة دمشق، وهي تولد: فراغها تحدّ.. فراغٌ متواز وعمودي.. وأضاف:
من خلالها تحدّيت كل قوانين النحت وقواعده!
وبالطبع هو يتحدث عن كتلة الحجر البازلتي التي بين يديه، والتي طوّعها فغدت من أجمل تحف العالم، أما أنا فلم أنتبه إلى قصده هذا.
أخذت المعنى على أساس المكانة الحقيقية لدمشق عاصمة المدن القديمة في العالم.. فهمته على أساس المساحة التي تشغلها في ضمير العالم!
أضاف النحات العالمي وليد محمود إلى متحف العالم تحفاً سورية جديدة من بينها ما سيقف السوريون عندها طويلاً:
شهرزاد، وعكاكيز، ودمشق، وسورية، وأم الشهيد، والعقرب.. وغيرها، ومع كل صورة تصلني عن هذه المنحوتات المدهشة، أشعر بالخوف ينتابني بأن تأحذ المنحوتات طريقها إلى العالم دون أن يراها السوريون، لذلك أعتقد أن من الضروري أن نفتح صدورنا وأحاسيسنا لرسائل البازلت نحن أولاً قبل أن تصل إلى العالم، وقد جعلها النحات السوري العالمي وليد محمود تحمل نبض سورية!