أصوات أطفال صبرا وشاتيلا وقانا!
لم أكن موجوداً في صبرا وشاتيلا عندما وقعت المذبحة في الأيام الثلاثة من أواسط أيلول عام .1982. ولكن لي في صبرا وشاتيلا أصدقاء وذكريات منذ عام 1980 لذلك زرت مقبرة صبرا وشاتيلا بعد عشرين سنة وبكيت عند النصب التذكاري، ثم مشيت شارداً في شوارع المخيم أستعيد أصوات أطفال عرفتهم ذات يوم، وكانوا يلعبون ويلعبون في أزقة المخيم الضيقة ويحلمون ويحلمون بالعودة إلى فلسطين، ولو بعد حين..
كذلك لم أكن موجوداً في قانا في الجنوب اللبناني عندما وقعت مجزرة قانا الأولى في أواسط نيسان عام ،1996 ولكن لي أصدقاء في الجنوب اللبناني، وذكريات جميلة في كفر تبنيت والشقيف ودرب السيم وعين الحلوة.. وغيرها، لذلك زرت مقبرة قانا بعد عشر سنوات وبكيت عند حافة القبر الطويل الذي دفنت فيه جثامين أسرة كاملة كانت التجأت إلى مقر القوات الدولية هرباً من القصف الإسرائيلي، فلاحقها القصف إلى هناك.. بكيت في قانا، ثم مشيت في شوارعها بعد أن زرت متحفها، أستعيد أصوات الأطفال الذي تعرفت عليهم في الجنوب اللبناني، وكانوا يلعبون ويلعبون في شوارع تقاوم الاحتلال الإسرائيلي على مدار الساعة، ويحلمون بوطن آمن، ولو بعد حين.
عندما زرت النصب التذكاري لشهداء صبرا وشاتيلا، وعندما زرت الصرح الذي أقيم لشهداء قانا، تذكرت مجزرة ملجأ العامرية التي ارتكبتها القوات الأمريكية في العراق، في ذلك المكان قرأت عن امرأة عراقية تشعل الشموع في الملجأ الذي تنثرت أشلاء الأطفال على جدرانه.. وتقول إنها تسمع أصوات أطفالها الذين مزقهم الصاروخ الأمريكي.
هل يستعيد العالم كل هذه الأصوات؟!
هل هو قادر على أن يكون شاهداً أمام التاريخ؟!
إذا كان العالم شاهداً أخرس، فإن أطفال صبرا وشاتيلا الذين قُتلوا بقلب بارد وحقد دفين متأصل، وأصوات أطفال قانا الذين قُتلوا بقلب بارد وحقد دفين متأصل، وأصوات ملجأ العامرية الذين قتلوا بقلب بارد وحقد دفين.. إن هذه الأصوات تقول لكل العرب:
احذروا أمريكا، صانعة الدم والحروب في هذا العالم!
احذروا إسرائيل، فهي وراء كل مصائبكم، بدءاً من مجازر فلسطين على يد عصابات الهاغاناه، وصولاً إلى مجازر البلاك ووتر ومجازر كل المجموعات الإرهابية التي تقتل ليل نهار في مساحة المشهد العربي في هذا العصر الذي أطلقوا عليه اسم (الربيع العربي)، وهو في واقع الأمر: ربيع الدم العربي..
هل تسمعون مثلي هذه الأصوات؟!