تفاهم أمريكي – تركي على التقسيم والسوريون مازالوا على المتاريس
من بشّروا منذ سنوات ببداية عهد أمريكي جوهره الواقعية ونبذ النزاعات العسكرية، مع وصول أوباما إلى المكتب البيضاوي، وخطابيه في القاهرة واسطنبول، يشهدون اليوم تجليات هذه البشرى بأمّ العين:
1- تصعيداً محموماً لعسكرة أوربا في مواجهة روسيا، التي مايزال الأمريكيون يعدّونها (البعبع) المخيف رغم انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
وذلك لسبب وحيد هو سعيها إلى عالم متعدد الأقطاب، لا تتحكّم فيه إرادة ساكني البيت الأبيض.
2- دفعاً محموماً لتوتير الأوضاع في بحر الصين، مع تصاعد نمو المارد الصيني، في محاولة للجم الدور الصيني، لا في آسيا فحسب، بل في العالم بأسره.
3- إصراراً على تسيّد الكيان الصهيوني لمنطقة الشرق الأوسط، بالتعاون مع حكام الخليج، والخلاص نهائياً من أي مقاومة لأطماع إسرائيل وتنكّرها للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير.
السوريون أدركوا، منذ بداية تورط الإدارة الأمريكية لأوباما في الأزمة السورية، أن بلادهم ستشهد تطبيقات هذه السياسة الأمريكية، لسبب وحيد، هو ممانعتها للسلوك الأمريكي في المنطقة، وقيادتها لمحورٍ مقاومٍ لأطماع الصهيونية، وسعيُها إلى حلّ سلميّ للنزاع، قوامُه استرجاع الأراضي المحتلة، وضمان حقوق الفلسطينيين.
من هنا يمكننا الانطلاق إلى تفسير دور الأمريكيين اليوم في سورية: إنهم يعرقلون الحل السلمي، ويعملون على تقسيم البلاد، ويعدّون العدة لبقائهم على الأرض السورية لضمان تنفيذ مخططاتهم، ومنع أي مسعى جدّي لإنهاء الأزمة السورية لا يأخذ بالحسبان أطماعهم السياسية والاقتصادية (النفطية).
زيارة تيلرسون إلى تركيا (حلحلت) الكثير من التناقضات بين أطماع الدولتين في سورية، ويبدو أن مشروعاً للهيمنة المشتركة الأمريكية – التركية يحاول أن يجد طريقه إلى التنفيذ على طول الحدود السورية التركية، ويضمن لهما استمرار السيطرة على مكامن الثروة النفطية السورية، وتقسيم سورية حسب المخططات الموضوعة.
المواطنون السوريون الذين وقفوا خلف جيشهم الوطني في مواجهته للغزو الإرهابي، وتحمّلوا تبعات الحصار الاقتصادي، والتدمير الممنهج لقطاعاتهم الاقتصادية، مازالوا يأملون بنجاح المساعي السلمية لحل أزمة بلادهم، فقد شبعوا نزفاً وتهجيراً وفقراً، لكنهم في الوقت ذاته لن يتخلّوا عن شبر واحد من الأرض السورية، وسيبقون على المتاريس خلف جيشهم، لضمان وحدة بلادهم أرضاً وشعباً.
فلنعمل اليوم على تجسيد نتائج حوار السوريين في سوتشي، ولنذهب إلى تحقيق طموحات الشعب السوري بسورية المتجددة.. الديمقراطية.. التقدمية.. العلمانية، التي تتسع لجميع السوريين.
إنه الطريق الآمن للدفاع عن بلادنا وضمان سيادتها.