قوة سورية ولبنان التي أقلقت أمريكا وإسرائيل حكاية (تفاهم نيسان 1996)..

لا أعرف ما الذي دفعني لقراءة التفاصيل والظروف التي أوصلت إلى (تفاهم نيسان) الذي جرى الاتفاق عليه عام 1996 والذي شرعن حق الدفاع عن النفس للمقاومة الوطنية اللبنانية لأول مرة في سياق دولي..

تمكنت سورية والمقاومة من فرض شروطهما المنطقية في لغة الصراع والتوازن الدولي، وكل من يتذكر تلك المرحلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لابد أن يتذكر أيضاً أن هناك قطباً واحداً كان قد سيطر على العالم هو الولايات المتحدة ، وكان هذا يعني بطبيعة الحال الاستفراد بالمنطقة وفرض الشروط الظالمة عليها.

كانت المقاومة الوطنية في لبنان مدعومة من سورية تكيل ضربات متتالية لإسرائيل التي ما انفكت تضرب لبنان وسكانه وأهله، فقامت إسرائيل بعملية شهيرة في التاريخ العسكري للمنطقة، اسمها (عناقيد الغضب).. وفي تلك العملية الكبيرة لم تترك إسرائيل هدفاً إلا قصفته، إلى الدرجة التي قصفت فيها (هنكاراً) للقوات الدولية في جنوب لبنان كان يأوي عدداً من المدنيين اللبنانيين الفارين من العدوان الإسرائيلي، بمعرفة القوات الدولية، وسقط نتيجة ذلك أكثر من مئة شهيد لبناني في مجزرة يذكرها العالم تحت اسم مجزرة قانا حيث يقع ذلك الهنكار..

في تلك الأجواء تمكن اللبنانيون والسوريون من تحقيق معادلة مهمة في سياق توزن القوى وانعكاساته على الأرض، تلك المعادلة كان اسمها (تفاهم نيسان) الذي شارك فيه الفرنسيون والأمريكيون، وكان الطرفان المتفاهمان هما (لبنان المقاوم) وإلى جانبه سورية طرفاً أول، وإسرائيل المعتدية طرفاً ثانياً..

وقتئذ اكتسبت المقاومة شرعية وطنية وإقليمية، وحققت سورية واحداً من أهم انتصاراتها في سياق التوازتات التي كانت قائمة، وفي ذلك التفاهم نقرأ: (إن الولايات المتحدة تفهم أنه بعد مناقشات مع حكومتي إسرائيل ولبنان وبالتشاور مع سورية، فإن لبنان وإسرائيل سوف يكفلان التالي: إن المجموعات المسلّحة في لبنان لن تقوم بهجمات بصواريخ الكاتيوشا، أو أي نوع آخر من السلاح إلى داخل إسرائيل. وإن إسرائيل والمتعاونين معها لن يطلقوا أي نوع من السلاح على المدنيين، أو الأهداف المدنية في لبنان. إضافة إلى هذا، يلتزم الطرفان بالتأكد من عدم كون المدنيين هدفاً للهجوم تحت أي ظروف، وعدم استخدام المناطق المدنية الآهلة والمنشآت الصناعية والكهربائية قواعد إطلاق للهجمات. ودون خرق هذا التفاهم لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس.

الذي تم إنجازه هو اعتراف بحق المقاومة التي كانت تتهم بالإرهاب، فنالت هذه المقاومة وفقاً للتفاهم حق الدفاع عن النفس، ونالت سورية أحقية المشاركة في القرار الإقليمي رغم اختلال توازن القوى..

حصل ذلك لأن الدفاع عن الحق هو واحد من أهم عناصر القوة التي يمكن البناء عليها في عمليات التفاوض، واستعادة هذه المعطيات الآن يؤكد أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من كل ما يحصل الآن في أرضنا العربية، فهل يستطيع العرب الآن وهم يغيبون العامل الأهم في تاريخ المنطقة أي إسرائيل هل يستطيعون تحقيق مثل هذا التفاهم؟!

العدد 1140 - 22/01/2025