لا تقدم حقيقياً في جنيف بسبب تعنت «معارضة» الرياض
ماذا وراء التصريحات الإعلامية الأمريكية الجديدة؟
لماذا اختار وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون تركيا ليدلي فيها بتصريحاته حول حق الشعب السوري في تقرير مصير الرئيس الأسد، وفي هذه الفترة بالذات؟
بعض المحللين ذهبوا بعيداً في البناء على هذا التصريح، الذي تبعه تصريح لمندوبة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية يفيد بأن أولوية أمريكا الآن عدم التركيز على الإطاحة بالرئيس السوري، ورأوا فيه بداية لتغيير حقيقي في موقف الأمريكيين من المسألة السورية، ربما ستظهر نتائجه خلال لقاء الرئيسين بوتين وترامب.
البعض الآخر قلل من أهمية التصريحين، مذكّراً ببهلوانية السياسات الأمريكية لإدارة أوباما خلال الحوار الروسي الأمريكي حول التسوية السياسية للأزمة السورية، وتراجع الأمريكيين عن مواقفهم وتعهداتهم تحت ضغط آل سعود وأردوغان.
أما نحن فنلتقط هذه التصريحات بحذر شديد.. تعوّدنا على إبدائه بعد كل تغيير في السلوك السياسي الأمريكي، خاصة بعد ضخّ الأمريكيين مزيداً من قواتهم وعتادهم على الأرض السورية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وتحرير الرقة من الدواعش. وبكلمة أخرى هل نصدق التوجه الأمريكي باحترام خيارات الشعب السوري، في الوقت الذي يشكل وجود القوات الأمريكية فيه على الأرض السورية، عدواناً حقيقياً على سيادة سورية وحرمة أراضيها؟! وهل احترام خيارات السوريين يمر عبر دعم المنظمات الإرهابية التي تحرص أمريكا على تسويق (اعتدالها) رغم المجازر التي ترتكبها بحق المواطنين السوريين؟
الأمريكيون يسعون اليوم إلى إرضاء أطراف متناقضة يصعب إرضاؤها، ويعدّون سيناريوهات عدة لما بعد تحرير الرقة، وكل ما نخشاه أن تكون تصريحاتهم هذه مجرد ذرّ للرماد في العيون، في الوقت الذي يعملون فيه على جعل سيناريو تقسيم سورية أمراً واقعاً.
إن تجاربنا مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة علمتنا دروساً لا يجوز نسيانها، وأهمها عدم الثقة بمفاجآتهم السياسية، بل النظر إلى عمق المساعي التي تخفيها هذه المفاجآت، إذ تستمر السياسات الأمريكية في خدمة مصالح الإمبريالية العالمية والصهيونية .
وفي الوقت ذاته، انتهى جنيف 5 دون تحقيق تقدم حقيقي في مناقشة السلال الأربع التي تشكل جدول الأعمال، فمازال (معارضو) الرياض يركزون جهودهم لا على مكافحة الغزو الإرهابي، ولا على المآسي والنكبات التي خلّفها، ويخلّفها، ولا على خيارات الشعب السوري، بل على استلام مقاليد السلطة والتربع على كراسي الحكم.
جيش سورية الوطني يتابع تقدمه، ويحرز نجاحات يومية في مواجهة الإرهابيين في جميع المناطق السورية، واستعاد مؤخراً زمام المبادرة في ريف حماة، ويوجه ضربات إلى عمق جوبر في ريف دمشق، ويحرر مزيداً من القرى والبلدات من سيطرة الإرهاب في ريف حلب، ويوجه ضربات موجعة للإرهابيين في دير الزور.
مازلنا متفائلين بجهود التسوية السياسية وأيدينا على الزناد، فأردوغان وآل سعود، وبدعم أمريكي، يتابعون دعم الإرهابيين. والسوريون سيتعاملون بأشد أشكال الحذر مع تصريحات الأمريكيين هذه، ويواجهون الإرهاب خلف جيشهم الوطني من أجل المستقبل السوري الديمقراطي، العلماني، الذي لن يكون إلا خيارهم، خيار جماهير الشعب السوري الذي دفع الثمن الأغلى، سواء اعترف الأمريكيون بحقهم هذا أم تجاهلوه.