قصة الحذاء والتراب الذي علق به!

لا أذكر لمن كانت تلك القصة التي حفرت معانيها في رأسي منذ أكثر من أربعين عاماً، فقد كانت قصة للمبتدئين منشورة باللغة الإنكليزية، أثارت فضولي فقرأتها بنهم، وما إن انتهيت من قراءتها حتى وقفت مدهوشاً عند معانيها!

والأطفال لاينسون القصص التي يقرؤونها أو يسمعونها، وأنا كذلك، على الأقل كنت سأحفظ جوهر أحداثها، فكيف إذا كانت القصة سهلة وممتعة إلى هذا الحد، وأنا أقرؤها بتحدٍّ في لغة غير لغتي الأصلية؟!

أختصر الآن أحداثها، والاختصار هو المعنى، فقد رحّبت إحدى البلدان الإفريقية بضيف زارها، ولهذا البلد تقاليد عريقة يبني حضارته على أساسها، فأكرمت وفادته ثم أطلعته على كل جميل فيها، وطار هذا الضيف من السعادة أمام جمال هذا البلد وتقاليده وكرم الضيافة فيه..

عندما انتهت الزيارة جرى وداعه عند حدود البلد، لكنه وقف مدهوشاً عندما مارسوا مراسيم وداعه. فقبل أن يغادر أرض هذا البلد، تقدم منه اثنان يرتديان الملابس التقليدية، وطلبا منه الجلوس على كرسي وخلع حذائه، نعم طالباه بخلع حذائه، ثم أحضرا طبقاً من الذهب، ونفضا التراب العالق في أسفل حذاء الضيف، وأعاداه له وقد حملا الطبق بعيداً..

سأل باستغراب: لماذا يحصل ذلك؟

وكان الجواب: هذا التراب لبلدنا، ونحن لانفرط فيه!

هذه هي خلاصة القصة!

القصة كانت قصة رمزية، وحتى لو حصلت  في أحدث مدن العالم، فإنها ستكون ذات دلالة وطنية يفترض أن يقف عندها العالم طويلاً، لأن العالم بطبيعة الحال يفهم معنى الوطن والتضحية من أجله، ولايوجد بلد في العالم لم يضحِّ أهله من أجله، لذلك هو (وطن)!

السوريون من هذا العالم.. السوريون يعرفون معنى الوطن لأنهم دافعوا عنه كثيراً، ولأنهم أبناء حضارة تتشكل يتجدّد عبر التاريخ.. وهم عندما يسمعون هذه القصة، يبتسمون، فقد سقط على ترابهم الوطني عشرات الألوف من الشهداء الذين رفضوا المساس بكرامته وعزته!!

وأنا واحد منهم.. أنا سوري.. أعرف أن الحدود رسمت باتفاقات دولية، ولكن ريثما يشكل العرب خارطتهم الواحدة، لابد من أن نحرص جيداً على التراب، ولكي أكون واضحاً، فأنا لا أريد عودة الجولان ولواء اسكندرون فحسب، بل أريد عودة سهول كليكية أيضاً، أريد عودة كل حبة تراب سورية.. وعندما يكون هناك حاجة في تحديد شكل حياة السوريين، فهم وحدهم الذين يقررون هذا الشكل لأنهم سوريون ولأنهم أيضاً دافعوا إلى أقصى ماتكون التضحية من أجل التراب السوري الوطني!

العدد 1140 - 22/01/2025