مبدأ «حفظ النعمة» اعتقاد شعبي.. ومفهوم اقتصادي!
اعتمدت التربية المنزلية لمختلف البيئات الاجتماعية السورية على مجموعة مبادئ لا يتذكر السوريون معناها إلا في أوقات الأزمات، فقد كانت أمهاتنا يطلبن منا نحن الصغار أن لا نضع في صحن الطعام إلا ما يكفينا، وأن لا نرمي الطعام فهناك آخرون بحاجة إليه، والأهم من كل ذلك، هناك مفهوم جميل جداً يقول: عندما تأكل الأسرة مع بعضها البعض فإن البركة تدب بالطعام!
عندما كثرت الخيرات في بلادنا، لم تكن القطاعات الشعبية الفقيرة تتراجع عن هذه التقاليد، لأنها تؤسس لهدفين أساسيين:
الأول- وقف الهدر مهما كان ضئيلاً.
والثاني- تذكر الآخرين الذين يحتاجون إلى هذا الذي نهدره على المائدة أو في نهايتها أو نتيجة البذخ في حياتنا اليومية..
وعندما بدأت الحرب على السوريين من كل أطراف العالم التي تعمل على تدمير كل مرتكزات الصمود لديهم، كان على الإنسان السوري أن يسعى إلى مواكبة الظروف الجديدة، فجيلنا كان يشتري الرغيف بفرنك واحد وكيلو الخبز بسبع فرنكات، أما اليوم فسعر ربطة الخبز التي لا تزيد عن الكيلو إلا قليلاً يعادل ألف ضعف من سعرها في تلك الأيام، ولولا أنها متوفرة في الأسواق لقلنا إننا نعيش حرب السفر برلك!
ماذا يفعل السوريون اليوم؟!
إنهم يتذكرون نصيحة الآباء والأجداد التي تدعو إلى حفظ النعمة، وحفظ النعمة مفهوم اقتصادي مهم، معناه: عدم الهدر ولو بقطعة خبز واحدة. وفي الوقت نفسه: يعلنون صراحة أن هناك أكثر من طريقة لضبط الهدر، فحفظ النعمة هو من أخلاق بيوت السوريين ولكن التفريط فيها ليس من أخلاق السوريين أبداً.. وهذا ينطبق على الأسواق..
نعم، ينطبق على ذاك الذي يغش الحليب بالماء، وذاك الذي يرفع السعر عدة أضعاف، وذاك الذي يسرق الميزان، وذاك الذي يرتشي. وذاك الذي يأكل حقوق غيره..
نعم، فكل هؤلاء لا يحفظون النعمة، لأن النعمة في أصل معناها هي تلك التي ينتفع بها الإنسان ويقننها في أوقات الشدة، وهؤلاء لايحفظون النعمة، ويخونون ضمائرهم، وربما يجدون أنفسهم ذات يوم في الموقع ذاته…
وفي السنوات الخمس التي مرت على السوريين سمعنا الكثير من القصص!