لا تستخفّ بقذيفة هاون..إنها أداة للقتل!

 كثيرون لم يكونوا يعرفون معنى (قذائف الهاون). حتى كلمة الهاون كانت غير مطمئنة بين الناس، فالهاون هو جرن نحاسي بيد نحاسية قادرة على طحن أقسى أنواع الحب!

كانت مدافع الهاون تتردد في الأخبار تحت عبارة (قذائف المورتر)، لذلك كانت جدتي تسألني عن المورتر بفضول، فلماذا يتحدثون عن (المورتر) في كل بلد فيها حرب، وبالطبع لم أكن أعرف الجواب!

عندما شاهدت السيدة (قذيفة الهاون) أول مرة، وقد دفنت رأسها بحفرة صغيرة وطمرتها ببقايا التراب، اقتربت منها، وأنا أضحك، وأردد ساخراً وبصوت عال:

هذه هي قذيفة الهاون؟.. يالها من سمعة!

وسألت نفسي:  (هل يعتقد الآخرون أنها قادرة على أن تدمر وتخرب وتفرض شروطاً على الدولة؟!)

وكنت قد اقتربت منها أكثر، فسمعت صوت العسكري:

ابتعد عنها.. لا تلمسها.. قد تنفجر بك!

وأضاف العسكري:

بعد قليل يأتي الخبراء العسكريون وينتزعونها من الجحر الذي دفنت رأسها فيه!

فابتعدت بخوف، وقلت كمن يحدث نفسه:

إذاً، هي لم تنفجر.. ماذا لو انفجرت؟!

كانت تشبه يد الهاون النحاسية التي كانت في بيت جدتي، وكانت توحي بأنها تنتظر دقات الميقاتية لتنفجر. أحسست أنني في فيلم سينمائي (أكشن)، فابتعدت بخوف!

سألت العسكري:

ماذا تفعل هذه القذيفة عندما تنفجر؟! فقال: فيها شظايا وبسامير وكرات معدنية..

وشرح لي ماذا يمكن أن تفعل هذه الأشياء:

قد تقتل. قد تقتلع عينا. قد تثقب الرأس وتخرج الدماغ منه!!

مشيت، وهي المرة الأولى التي أتعرف فيها على قذيفة الهاون عن قرب..

فيما بعد رأيتها وهي تنفجر:

رأيتها وهي تقتل طلاب الجامعة الذين يتناولون سندويشات الجبنة الساخنة في مقصف كلية الهندسة.. رأيتها وهي تسقط فوق أوتوكار المدرسة وهو ينقل التلاميذ الصغار.. رأيتها وهي تحطم واجهة محل الفلافل.. رأيتها وهي تسقط خلفي فوق سيارة للأجرة، فقامت سيارتي وقعدت، ورحت أسرع في سيارتي حتى كدت أرتطم بعمود الكهرباء..

آخر مرة دخلت شظية منها في ظهر ابن عمي محمد، فأخرجت قلبه من مكانه، وقلبه طيب لايكره أحداً، ولا يحقد على أحد..تلك اللعينة قذيفة الهاون قتلته بثانية واحدة مع أربعة آخرين..

عدت إلى العسكري الذي شاهدت عنده القذيفة الأولى، وسألته:

أين قذيفة الهاون؟!  فضحك وقال:

سحبها الخبراء كما تسحب الشعرة من العجين؟!

وقال، وكأنه وجد أسئلة كثيرة على وجهي:

قد تكون الإبرة قادرة على القتل.. لاتستخف بالأشياء.. ولكن بربك أريد أن أسألك يا أستاذ:

لماذا يرمونها فوق الناس؟!

العدد 1140 - 22/01/2025