باسم عبدو أخبرني أنه جاهز!

 عندما توفي الكاتب والصحفي لؤي عيادة قبل نحو عام، اتصل بي كاتب القصة والصحفي الملتزم باسم عبدو، فأنا لا أتعامل معه كرئيس تحرير، وقال:

سنخصص صفحة في صحيفة (النور)، ويجب أن نكتب عن رحيل لؤي، وأنتظر منك مادة مناسبة، وسيشاركك بالكتابة للصفحة ابنته والفنان والكاتب أكرم تلاوي.. وعلى الفور تذكرت لؤي عيادة، وهو يأتي كل ثلاثاء إلى إذاعة دمشق، برفقة الصحيفة، وأحسست أن الكتابة عنه في هذا الجانب مهمة، فقلت لباسم:

سأكتب عن لؤي والإذاعة والتلفزيون..

فرد باسم: ممتاز كان لؤي يحب الإذاعة والتلفزيون، وذلك جانب مهم في حياته.. أنا لا أنسى مسلسل: الوسيط.. كان من الأعمال الدرامية الهامة التي شاهدناها في الدراما!

قبل أيام توفي باسم عبدو، لم يتصل بي أحد ليخبرني أن من الضروري أن نكتب عنه ونخصص صفحة أو صفحتين، ولو حدث ذلك، كنت سأقول له: سأكتب عن باسم والرواية والقصة، فقد نشطنا معاً ذات يوم في القصة القصيرة جداً!

وآخر مرة رأيته فيها، كانت في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب، سألته، مازحاً: لم تتصل بي من أجل أن أصوّت لك في الانتخابات، هل ستنسحب من الترشيح؟

فقال باسم، وله من اسمه نصيب: لا.. بالعكس، فأنا أقدم نفسي كما أنا، ولا داعي لطلب التصويت لي من الأصدقاء والزملاء..!

هكذا، وبلا حملة انتخابية، دخل باسم عبدو الانتخابات، ومع ذلك، فاز بالترتيب الخامس، بين خمسة وعشرين فائزاً، ولم أتصل به.. رأيته في الاتحاد، فهنأته، وقلت له: هل الطموحات كبيرة بما يخص مسؤولية الكتاب في المرحلة القادمة في سورية؟

فأجابني بهدوء: أنا جاهز، ولكن تعبان!

لماذا يتعب الكاتب والصحفي؟

سألت نفسي هذا السؤال، وقد سمعت كثيراً من الناس القراء والمستمعين والمشاهدين آراء كثيرة تقول: عملكم ممتع ولا يتعب، ويأتي بالمال الوفير والشهرة ومعرفة النجوم والمسؤولين!

ولكننا نتعب، يتعب بالنا، وكانت أمي تدعو لي: (الله لا يتعب بالك)! لأنها تعرف كم هو صعب.. يتعب بالنا وتتلف أعصابنا ودائماً ينبغي علينا أن نقدم الجديد ونكون يقظين ونتابع كل شيء من حولنا.. ومن جهة المال الوفير لا أعتقد أن للصحافة باباً اسمه الثروة.. أما الشهرة ومعرفة النجوم والمسؤولين فإنها لا تطعم خبزاً..

أرّقني جواب باسم عبدو، وخاصة عندما استعدته بعد وفاته، فهل صحيح أنه آن الأوان لنتعب؟ هل صحيح أن الحرب أتعبتنا بشراً وكتّاباً وحجراً؟!

حاولت استعادة كلامه مرة ثانية، واكتشفت أنني أغفلت الكلمة الأهم في جوابه: أنا جاهز!

نعم، الحق عليّ، وما كان من الضروري أن أذهب في تعبه لأن باسماً رحمه الله، ومثل أي كاتب وصحفي سوري يحب وطنه، كان جاهزاً.. أي أنه جاهز حتى اللحظة الأخيرة!

تماماً كالأشجار التي تموت واقفة!

العدد 1140 - 22/01/2025