ذلك الصباح في موسم الحصاد.. وتعاونوا!

 القصة ليست قديمة..

كثيرون يتذكرونها وعاشوها، وهي بحد ذاتها شكل من أشكال الحياة الاجتماعية في بلادنا، وفي بلادنا خير كثير، والفلاحون يزرعون ويحصدون دون كلل، والغلال تملأ البيادر، والثمار في البساتين الكثيرة تفيض على الأشجار حتى عن حاجة البلد كله، وكان كل واحد منا يطرح سؤالاً فضولياً:

– كيف تجمع الثمار؟ من يجمع القمح؟ من يقطف الكرز؟!..

وللجواب حكاية..

قبل نحو ثلاثين عاماً، كنت زائراً في بيت أقارب لي في القرية، نمت عندهم ثلاثة أيام متتالية، وكنت أستيقظ صباحاً لأكتشف أن أقاربي ليسوا في البيت لا الذكور ولا الإناث، وما هي إلا ساعات حتى يعودوا وهم سعداء بما فعلوا، وقد ثار الفضول عندي، فسألتهم في اليوم الثاني:

– أين تذهبون عند الصباح؟ تذهبون وتعودون خلال ساعات؟

وعرفت القصة، فمن عادات القرية أن يهب السكان للمساعدة في وقت واحد، فإذا كان الدور لبيت أبو محمود، فإن الجميع يذهبون لمساعدته في الحصاد منذ الفجر، وخلال ساعات ينتهي الحصاد، وعندما ينوي أبو علي جني محصول الكرز، يجتمع الكثيرون عنده لقطاف حبات الكرز من على أغصانها، وهكذا يتنقل الدور لنجد أن الزرع ملأ البيادر وأن موسم جمع الغلال أثرى القرية؟

القصة لاتقف عند هذا الحد، فالتعاون كان يأخذ بعداً آخر، وخاصة عندما يقوم أحدهم ببناء بيت له، فيسألونه: متى ستقوم بصب السقف بالبيتون؟ وبالطريقة نفسها يتجمعون ويساعدونه في عملية صب السقف خلال ساعات!

في اليوم الثالث، نهضت صباحاً.. كان العمل يتطلب جهداً صعباً بالنسبة لي، فحصاد القمح كان باليد ويداي لاتطيقان جمع السنابل بيسر، ومع ذلك ذهبت معهم وعملت معهم حتى كلّت يداي، وشاهدتهم وهم يمارسون أجمل وأقدس عمل رأيته في حياتي: التعاون!

كانوا سعداء، فشعرت بالسعادة معهم، وكانوا أقوياء فشعرت بالقوة معهم، وكان كل شيء عليهم يسيراً لأنهم معاً، فشعرت مثلهم بأن كل شيء يمكن أن يكون يسيراً إذا تعاونّا معاً..

فجأة تغير كل شيء!

صار حصاد القمح يحتاج إلى عمال، وصار جمع الكرز يحتاج إلى أعداد غفيرة، وصار العامل يشترط على صاحب الحقل أجرة عالية وعلبة سكائر وأنواعاً محددة من الطعام، بل ويحدد عدد ساعات العمل وكأنه حصل على قرار من الأممية الثانية بتحديد ساعات العمل أصولاً.

وعندما ينوي أحد السكان الشروع ببناء بيت له، فإن الديون تكسر ظهره لأن أجرة عمال الصب كفيلة باستهلاك نصف ما لديه، لم تعد تلك السعادة على الوجوه، ولم تعد تلك الخيرات وفيرة، ولم يعد بإمكان الناس أن يأكلوا من خيرات بلادنا الطيبة نتيجة الغلاء الذي حل بالخيرات!

أما أنا، فما زالت يداي تذكران جيداً أن القمح يحتاج إلى سواعد قوية، ولكي تكون السواعد قوية، ينبغي أن تكون النفوس سعيدة بالتعاون بين الناس!

العدد 1140 - 22/01/2025