مئة عام.. أيّ مشنقة تختار أيها المثقف العربي؟!

 يقول المحاربون:

إن الشهيد يصبح حمامة بيضاء..

حمامة تقف عند مفارق الطرق الذاهبة إلى السماء..

يسمع الأطفال الطيبون هديلها..

تخبرهم..

تقول لهم:

هو الوطن.. مساحة من القلب..

مساحة مدّها الله فصارت بلداً..

صارت وطناً.. فأحَبّوه.. أحبوا هذا الوطن..

مئة سنة مرت على يوم السادس من أيار عام ،1916 وهو اسمه اليوم (عيد الشهداء)، وفيه واجه المثقفون العرب الموت على أعواد المشانق في زمن السلطة العثمانية المتداعية.. واجهوا الموت بشجاعة قلّ مثيلها.. نفّذ العثمانيون الأتراك، بأمر من الحاكم التركي جمال باشا السفاح، حكم الإعدام بعدد من مناهضي سياسة التتريك من المثقفين السوريين واللبنانيين..

نُفّذت عملية الإعدام في دمشق وبيروت في فجر حزين علا فيه صوت الوطن والانتماء، فقد انتفض مثقفو سورية ووطنيوها، وبدأ العرب سريعاً بتكثيف مطالباتهم باللامركزية وتقريب دوائر الدولة في الولايات العربية وبتمثيلهم في المجالس النيابية تمثيلاً صحيحاً لا صورياً، لكن جمعية الاتحاد والترقي قمعت هذه المطالب واعتقلت رجال سورية الوطنيين، فراح مثقفو سورية ووطنيوها يشكّلون الجمعيات السرية القومية من بينها جمعية العربية الفتاة التي دعت لمؤتمر باريس في حزيران عام ،1913 وهو مؤتمر سعى إلى توحيد اهداف الجمعيات العربية التي اشتركت فيه. ترأسه عبد الحميد الزهراوي، واتصلت الجمعية بالأمير فيصل بن الحسين عندما زار دمشق في أوائل الحرب العالمية الأولى واجتمع مع ياسين الهاشمي ورضا الركابي، وسألهما المساعدة التي تحتاج إليها سورية للاشتراك بالحركة التحررية العربية، فسلّموه مصوّراً مقترحاً لحدود الدولة العربية يضم جميع أراضى آسيا العربية..

جرى التنكيل بأعضاء هذه الجمعية، ومن بينهم شكري القوتلي الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية..و عندما ندقق بأسماء الشهداء وصورهم في سورية ولبنان نكتشف وحدة الموقف والانتماء، بل ونكتشف وحدة الصرخات الأخيرة تحت أعواد المشانق، وهذا ما شهدته المشانق التي نصبت في ساحتَي الشهداء بدمشق وبيروت.. أطلق المثقفون العرب على مشانق السلطنة صيحات الضمير العربي، وكان عمر حمد واحداً ممن علت صيحاتهم وترامت إلى اليوم في الوجدان العربي:

إنني أموت فداء الأمة العربية غير خائف ولا وجل، فليسقط الخونة وليحيَ العرب!

أيها المثقف العربي، ماذا ستقول وأنت تتقدم نحو مشانق هذا الزمان وسكاكينه ومشعلي الحروب فيه؟!

العدد 1136 - 18/12/2024