أثرياء الحروب!

عندما نشاهد أفلاما سينمائية عن الحروب في العالم، تأخذنا كاميرات المخرجين إلى المعارك الضارية والقنابل المتناثرة والقصف المتبادل بين القوات المتقاتلة في المشهد المصور..يعني تأخذنا الكاميرات إلى الموت والدمار والخراب، إلى صورة مأساة الحروب المباشرة والواضحة، وأحيانا تأخذنا تلك الكاميرات إلى وجوه الجنود المتقاتلين وقد غطاها الطين أو الدم أو غبار الحرب الذي تسببه القذائف وحركة الآليات الكبيرة والدبابات والمصفحات من حولهم..

سينما الحروب نادراً ما تأخذنا إلى أثر الحرب على النفوس، حتى في حرب فيتنام التي أعقبها نشاط سينمائي مكثف تناول أثر الحرب على الجنود العائدين منها، والعقد النفسية التي نشأت لديهم.. حتى في تلك الحرب لم نشاهد إلا القليل عن أثر الحرب على السكان، سواء عند الفيتناميين أو عند الأمريكيين البعيدين عنها..

وفي الحرب التي تعيشها سورية منذ خمس سنوات، يجري الحديث عن هذا الأثر، ففي الوقت الذي نشاهد فيه تضحيات الجنود من أجل الوطن، واستبسال القادة في ميادين القتال للتمكن من تحقيق النصر ورد المعتدي عن البلاد.. في هذا الوقت هناك ذئاب ضارية دفعتها نفوسها الضعيفة لاستغلال لحظات الضعف في المجتمع، فتعمل في الخلف على بناء سطوة لها من خلال السرقة والنهب واستغلال ظروف الحرب بالسيطرة على قوت الناس، وأمثال هؤلاء سر الأسرار في هذه الحروب العامة في العالم، والسينما لم تقدمهم بشكل جيد بعد..

والحمد لله، لم تظهر في بلادنا بعد تلك النماذج المخيفة التي تأكل الأخضر واليابس، وإن كانت بعض المظاهر، وبعض التحقيقات في صحافتنا قد تحدثت ونبهت إلى المستغلين والمحتكرين الذين يبنون سلوكهم على ظروف الوطن الغالي الذي يدافع دفاعاً أسطورياً عن وجوده وحضارته..

وهناك من تم اكتشافه ومن ثم توقيفه وإحالته إلى القضاء، وهناك من فر من البلاد، وهناك من لايزال يختبئ وراء أصابعه ويمضي في سلوكه، وكأن القانون لن يطوله أبداً.. ليس أسوأ من الحرب إلا تبعاتها.. هذا ما نعرفه بداهة..

وليس أسوأ من تبعات الحروب إلا ظهور أولئك الذين يستغلونها، فيتاجرون بالدم والدمار من أجل جشع كبير في نفوسهم، وفيما بعد يصبحون من أثرياء الحرب، وهو ثراء بني على الباطل!

إن أثرياء الحروب هم صورة المآسي التي تتركها الصراعات الكبرى، أما عندنا، فكلنا يدعو أن لا نرى هذا النوع الذي يصعد على أجساد الشهداء والضحايا وصبر الصامدين من أجل بقاء الوطن!

العدد 1140 - 22/01/2025