الحكومات لم ترتق إلى مستوى تضحيات الشعب السوري
سورية تخوض دون ريب معركة وطنية كبرى ضد الغزاة المستعمرين الجدد، وضد صنائعهم من إرهابيين وتكفيريين وخونة للشعب السوري، من أجل صيانة استقلالها ووحدة أراضيها وقرارها المستقل، ومن أجل بقاء دورها الطليعي والمتقدم والمفتاحي دائماً عبر تاريخها المعاصر في العالم العربي والمنطقة عموماً، هذا الدور الذي بقي عائقاً أفشل سابقاً ويفشل حالياً المخططات الاستعمارية والصهيونية الرامية لإخضاع هذه المنطقة ونهب ثرواتها، وإبقائها في حالة من التبعية الكاملة لمشاريعها المغرضة.
وقد استطاعت هذه القوى العدوانية المختلفة تحقيق جانب من هذه المخططات، مستغلة بطء الحكومات المتعاقبة وعدم تجاوبها السريع في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وقد تجلى كل ذلك في التخريب الممنهج لما بناه السوريون خلال عشرات السنين من بنية تحتية، دفعوا فيها الكثير من عرقهم وجهدهم وتضحياتهم.. كما أنه تجلى أيضاً في التخريب الممنهج لنسيج المجتمع السوري الذي لم يكن يعرف التعصب والتطرف سابقاً، والذي كان السوري فيه، بصرف النظر عن الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الفكري أو غيرها، لا يشعر تجاه السوري الآخر، إلا بأنه شريك في الوطن وفي بنائه وفي آلامه ومسراته، مستغلة نقاط الضعف في السياسات الحكومية السابقة، والأخطاء الكبيرة التي ارتُكبت، والتي كان لها انعكاس سلبي سيئ على أوساط واسعة من الشعب، وخصوصاً على قطاعات غير قليلة من الجيل الشاب الذي كان الضحية الأولى لهذه السياسات.
ومع ذلك، ومع كل هذا النشاط التخريبي المحموم من قبل هذه الأوساط العدوانية، والمجرمة، فإنها لم تستطع، في المحصّلة، تفتيت الشعب السوري، ولم تستطع ضرب ارتباطه الوثيق بوطنه وتعلقه به، ولم تستطع ترويضه وإخضاعه لأهدافها العدوانية.. لقد صمد الشعب السوري وجيشه ببطولة في هذه المعركة الكبرى، وشكّل بهذا الصمود الركيزة الأساسية لإفشال هذه المخططات الأساسية، ويرجع إليهما الفضل الأكبر في تحقيق كل النجاحات والانتصارات التي تحققت في هذه المعركة، فهل تعاملت الحكومات المتعاقبة على البلاد خلال هذه الأزمة والحرب التي عصفت بها، مع المهمات المنوطة بها، وهل ارتقت إلى مستوى هذه المعركة التي تخاض، والتي يتوقف على نتائجها الاتجاهات الأساسية للتطور العالمي اللاحق..؟ هل وضعت هذه الحكومات نصب أعينها أن تعمل دون كلل، ودون أن تألو أيّ جهد من أجل التخفيف عن المعاناة اللامحدودة للشعب وتضحياته العظيمة من أجل وطنه؟
إن الواقع يجيب عن هذا التساؤل بالنفي!
فالمواطن لا يشعر بوجود الدولة في حياته اليومية..
يكثر المسؤولون تصريحاتهم عن القرارات التي يتخذونها، ويعدون الناس بأنهم جادون في التخفيف من مصائبهم ومعاناتهم، إلا أن الشعب لا يلمس في الواقع الملموس أي نتائج عن هذه التصريحات والتدابير.. فالغلاء يزداد وتذوب الرواتب بسرعة ضوئية، ولا توجد أية تدابير رادعة وحقيقية تحدّ من جشع محتكري قوت الشعب، ومحدثي النعمة. يشعر المواطن أينما سار بالإهانة، في الشارع، وفي المؤسسات الحكومية.. إلخ.. وكأن هذه الأزمة الطاحنة لم يُستخلص أي درس منها. الفساد يستشري ولا يفيد الضجيج الإعلامي حول ما تقوم به الدولة في هذا المجال.
إن محاربة الفساد لا تتحقق فقط عبر محاربة بعض مظاهره، وإنما من من خلال إضعاف البيئة التي تنتج الفساد، ولا يزال الطلاب يشكون من التمييز، ويشكون من اللامساواة فيما بينهم، ولا يزال الكثير من الطلاب الملتمسين بالواسطة ينجحون، وتغيب المعايير المهنية المبنية على الكفاءة في التعيين في وظائف الدولة، وفي كثير من الأحيان يجري الإعلان عن مسابقة للتوظيف، تكون أسماء الناجحين فيها معروفة مسبقاً.. ولا تخضع المضاربة بالعقارات لأي إشراف من الدولة، وترتفع إيجارات المساكن بصورة لا ضابط لها، ولا يوجد لدى الحكومة أي نهج واضح برسم الاتجاهات الأساسية لها لمعالجة هذا الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد، ويقع بثقله على الشعب الكادح!
من كل ذلك، يجيبك المواطن ساخراً، إنها مشغولة بالقضايا الكبرى، وليس لديها الوقت للتفكير بهذه المسائل الصغرى.. هل الاهتمام بهموم الشعب وآلامه تعتبر من المسائل الثانوية؟ لقد آن الأوان وبصورة لا تقبل التأجيل، أن تضع الحكومة كل ثقلها وأن تكرس كل نشاطها في خدمة الشعب، والتخفيف من معاناتهم..
ما هو ضروري الآن هو الاعتماد على الشعب والثقة به دون حدود، والإقلال من التصريحات والاحتفالات والضجيج الإعلامي. في هذه المعركة الكبرى الذي يخوضها الشعب السوري، يجب على الحكومة أن ترتقي إلى مستوى هذه المعركة، وإلا فإن التاريخ لن يرحم.