المعلومات وتشويه صورتنا الوطنية…سعيد عكاش كما عرفتـْه أليس بوالو!

 هناك تخوف دائم من الأثر الذي يتركه علينا الاعتماد على مصادر غربية تتعلق بتاريخنا، وكان هذا الخوف موجوداً منذ زمن بعيد، وتعمّق مع ظهور الترجمة ومع تزايد ظاهرة الاستشراق، ثم عاد يتجدد مع ظهور الشبكة العنكبوتية التي ندخل إليها على مدار الساعة ونعيش معها وتعيش معنا، فتقدم لنا المعلومات بسرعة إلى أن صارت المعلومات عنا تؤخذ من الشبكة دون أن يكون لنا دور في إنتاجها.

هناك أمثلة كثيرة على هذه المسألة، من بينها الخريطة السورية، فخريطة سورية ترد على الشبكة العنكبوتية وقد سلخ منها لواء إسكندرون وصار ضمن الخارطة التركية، وصارت إسرائيل أحد جيران سورية من الزاوية الجنوبية الغربية ، ولم تعد فلسطين، ومع تطور الحرب على السوريين ازدادت الخرائط وصارت سورية نفسها عدة خرائط!

وقع أبناؤنا في المطب، فصاروا يرسمون الخارطة السورية على هذا النحو، وسوف نكون بحاجة دائمة إلى مراقبة المسألة لتعديل التشويه، وإلا فإن العقل الوطني سيتشتّت ومن الصعب توحيده!

من الأمثلة الأخرى، تشويه التاريخ العربي والاسلامي، فعندما نبحث عن المعلومة تنهال علينا سيول المعلومات، فنعجز عن غربلتها، ومع تعدد الاستخدام نلاحظ أن المعلومات المشوهة تدخل في عمق الثقافة العربية، وأن المعلومات الممرضة تنتشر بين صفوفنا، وتلاحقنا ثقافة المعلومات التحريضية والتفتيتية التي تغير انتماءنا وتزعزع قناعتنا وتدمر وحدتنا..

تقدم الشبكة العنكبوتية المعلومات على مائدة منوعة شهية ملونة غزيرة، وأحياناً نراها وقد بدت كأنها مطابقة لمعلومات كتبنا، وإذا هي تغير في مصطلح واحد أو عبارتين، ومن خلال ذلك نجد أن المصطلح ينتشر ويصبح فيروساً ممرضاً في الثقافة العربية..

آخر الأمثلة هو استخدام توصيفات مختلفة لرموز تاريخنا الوطني، كأن يقال عن المقاوم: متمرد، وعن الثائر ضد الاستعمار: قاطع طريق، وعن المقاومة: إرهاب، وعن الإرهاب: معارضة مسلحة، وعن المعارضة الوطنية: عملاء..

قبل أيام وقع أحد الأعمال الدرامية في خطأ يتعلق بمقاوم سوري ضد الاستعمار الفرنسي، فوصفه هذا العمل بقاطع طريق، ومرّت المسألة مروراً سريعاً، فكثيرون يجهلون من هو.. إنه سعيد عكاش أحد قادة الثورة السورية الكبرى الذي قاد ثوار دمر والهامة ضد الاستعمار الفرنسي مع إخوته في كل المناطق، وقد حكى عنه سلطان باشا الأطرش وخاض معارك الغوطة إلى جانب حسن الخراط ومحمد الأشمر..

المراجع الفرنسية تصف كل الذين قاوموها بالمتمردين، وكانت تشيع بين الناس أن سعيد عكاش هو قاطع طريق في دمشق، وأن رمضان باشا شلاش قاطع طريق في الجزيرة السورية..

هناك كاتبة فرنسية تحدثت عن الأمر هي أليس بوالو، فعرّفت الفرنسيين بأن سعيد عكاش كان مع مقاومي الاستعمار الفرنسي، ولم يكن قاطع طريق، وسردت بوالو حكايات كثيرة عن هذه الشخصية التي وقعت الدراما السورية في اختصار دورها الوطني دون قصد طبعاً!

العدد 1140 - 22/01/2025