شارع التغطية!

كنت من أكثر المتمسكين بوسائل التواصل الكلاسيكية، ومازلت أعتقد أن سرعة وسائل الاتصال المعاصرة وأخواتها (الفيسبوك.. التويتر) قد ساهمت في تجفيف ينابيع التواصل الاجتماعي الأكثر حرارة ودفئاً بين الناس.

ورغم كثرة الأصدقاء المفترضين على صفحتي الإلكترونية إلا أنني مازلت أحن إلى موسيقا شفيع.. ورائحة ماهر.. وضجيج صوت مجدولين..، ومازلت أتحين الفرصة المناسبة لزيارة صديق في آخر مخيم اليرموك رغم بحيرات المياه المطرية التي تفصل بين بيته والشارع الطويل.ومازلت أحن لسهرة صباحية فيها الكثير من المشادات الكلامية والحوارات والموسيقا والسخرية والضحك، إذ كانت تجمعنا نصف ليمونة عارية من قشرها وزعتها الرائحة والمتعة على كؤوس المتة.

اليوم وبعد أن أصابنا الكسل، ونخر عظامنا هوس الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر أصبحنا مرغمين على صياغة الجمل الأنيقة والأكثر بهرجة وتملقاً، وخصوصاً حين نتبادل الدردشة على المواقع الإلكترونية.

فجأة تنقطع الاتصالات الخلوية عن المكان، فتنكمش قلوب العشاق خوفاً على أحبتهم، وتكثر التكهنات في زمن أحوج مانكون فيه إلى معرفة مصائر محبينا.

هل سننجو؟ نقولها لحظة بلحظة.

ولحسن حظ المكان أن شارعاً بكامله مازال يفتح ذراعيه للمارة والعابرين، ويتنفس (التغطية).. صبايا وشباب فرادى وجماعات يحملون أجهزتهم الخلوية ويرفعونها عالياً يلتمسون الرحمة ويتتبعون التغطية! وكأنها النافذة التي سوف تأخذهم إلى أمكنة بعيدة وتعيد لهم أصوات أحبتهم البعيدين.

شارع التغطية إنه المكان السحري الذي أصبح خلال أيام معدودات شارع العشاق، ومقاهي الرصيف والمحلات التجارية، وأصبح المكان الأكثر شهرة وسلاسة في ضرب المواعيد حين يلتقي العشاق ويتبادلون الرسائل الإلكترونية والصور والأغنيات والموسيقا، وأصبح المكان الوحيد الذي يخفف من جموح القلق على الغائبين.

يالشارع التغطية…

كم ستشهد أرصفتك على الجنون، وكم سيذكرك عشاقك بعد زمن ليس بعيداً بمزيد من الضحك والسخرية والمغالاة.

العدد 1136 - 18/12/2024