الانتحاء الغريزي
من المفهوم أن تصدر آراء مختلفة، بل متضاربة أحياناً، من جانب مجموعات من المواطنين يعارضون سياسات الحكومة. وكل حكومة في العالم لا يمكن أن تحظى برضا جميع المواطنين. وإن حصل ذلك فهذا يعني أن الحكومة متوقفة عن العمل.
ولكن الخطر أن يتحول الموقف من الحكومة، بغض النظر عن حجم أخطائها، إلى موقف من الدولة ومؤسساتها، فيصبح الغضب من الحكومة نقمة على الدولة، بكل ما تحمله الكلمة من دلالة (الوطن، الشعب، المؤسسات).
والأدهى من ذلك أن يقاد الإنسان بفعل الأحداث المتراكمة المرهقة والمخيفة والمثيرة للتوترات النفسية والاجتماعية والبالغة حد إراقة الدماء، الأدهى أن يفعل كل ذلك التراكم فعله، فيتحول الاستياء إلى موقف من الوطن نفسه، فتشل طاقة العقل على التفكير السليم والرؤية الصائبة، فيتجه إلى انتحاء غريزي، يصبح فيه الهم الأول للمواطن متجسداً في كيفية الخروج من الوطن (الهجرة)، بديلاً من التفكير بالسبل المؤدية إلى وأد الفتنة وإعادة الأمور إلى نصابها في العيش المشترك وتحكيم العقل ومحاصرة الغرائز بالتضييق عليها وضبطها، والنظر إلى الصالح العام والتقليل من انفلات الأطماع الشخصية، مع أن الحياة والسلامة أثمن ما في الوجود. ولكن ما قيمة سعادة شخص (فرد) يعيش وطنه أزمة مركبة يحتاج علاجها والخروج منها إلى تكاتف جميع أبنائه، بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والفكرية. فلا حرية ولا كرامة ولا سعادة لمواطن يعيش وطنه حالة استثنائية يتداخل فيها الوطني والإقليمي والعالمي تستدعي التضحية بالمصالح الشخصية والفئوية، وتتطلب شجاعة تقديم التنازلات التي تؤدي إلى وحدة الوطن وسعادة المواطن.