هل يقف العالم متفرجاً؟

التسارع الشديد الذي تتميز به الأحداث في الشرق الأوسط وما يرافقها من توتر وغليان وسفك دماء، يدل بوضوح أننا على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع بين حركات التحرر الوطني المدعومة من الدول القوية الصاعدة (روسيا- الصين) من جهة، ومن الجهة الثانية القوى الإمبريالية العالمية سواء المسلحة منها- المتعطشة للدماء (أمريكا) أو التي تركز على مص دماء الشعوب وزيادة فقرها عبر الهيمنة الناعمة (أوربا).

وإن التناقضات الأخرى التي نشهدها تعلو وتنخفض بين هزين المركزين الرئيسيين للإمبريالية، ليست إلا تناقضات غير تناحرية، ويمكن حلها واستيعابها في إطار وحدة المصالح الرأسمالية العالمية في آخر الأمر.

هناك من يستخف بأهمية هذا الصراع، بزعم انه بين المركز وتوابعه، وبالتالي فهو قابل للاستيعاب في الإطار التكتيكي للعلاقة الثنائية، خاصة أن طرف التحرر الوطني فيها ذو طبيعة طبقية يسهل معها المناورة والتنازل وتغيير الموقع.

تثبت تجربة العدوان أو الحرب على سورية أن استفحال التناقض بين سورية وحلفائها من جهة، والإمبريالية العالمية (على الأخص الأمريكية) من جهة أخرى، قد يؤدي إلى حرب إقليمية، لكن يصعب تصور الاحتمال الأبعد لعوامل عديدة جداً
فتأثير الحرب الإقليمية_ إن حصلت- سيترك على العالم كله، تأثيراً قوياً جداً، ولنا في بداية كل من الحربين العالمييتين الأولى والثانية ونهايتها خير مثال. صحيح أن الظروف قد تغيرت، وأن قوة الردع النووي لدى طرفي الصراع وتوازن القوى أصبحت تشكل عائقاً يحول دون دمار البشرية، لكن كرة الثلج قد تكبر شيئاً فشيئاً وصولاً إلى المجهول.

إن عودة سريعة إلى التاريخ القريب جداً تجعلنا نرى في الأفق غيوماً تجمعت في شرقنا العربي لتمارس تأثيرها، ولتضع المقدمات لتطورات أكثر خطورة قد يكون لها بعدٌ عالميّ.

لقد نشأت إسرائيل أولاً عام ،1948 وهي عنصر تفجير وحروب من أنواع عدة، وخاضت خمس حروب- أمريكا احتلت العراق- فجرت لبنان- وغزت سورية بالاشتراك مع ثمانين دولة منذ 7 سنوات، ولم تنته.

 الحقبة الزمنية هذه امتدت منذ 70 عاماً وما تزال تحقن الجو بعوامل التوتر والانفجار، فهل يحصل؟

إن التطورات الجديدة في المنطقة أصبحت أكثر تأزماً، إسرائيل تعتدي على سورية بكل وقاحة، وتسقط سورية طائرة (أف 16)، فتهتز إسرائيل وتحسب حساباً للقادم من الأيام، أمريكا تؤكد رغبتها بإبقاء أراضٍ سورية تحت سيطرتها على يد أدوات إقليمية محلية، وتسعى لفرض أجندة سياسية مطابقة لمصالحها ما بعد التسوية، وإلا فلن تجيزها- السعودية تدمر اليمن- إسرائيل تعد لتهديد لبنان، نفطياً هذه المرة.

الإرهابيون يزرعون الموت في كل مكان على الأرض العربية في تونس، في مصر والعراق وسورية ولبنان وليبيا، تركيا تغزو جزءاً سورياً، (عفرين، أمريكا تعلن استراتيجية جديدة تستند إلى اعتبار روسيا والصين دولتين عدوتين..
فهل يستمر العالم بالوقوف متفرجاً أمام حروب جديدة تدمر كل شيء، أم يمارس صلاحياته وإمكانياته لإعادة أجواء السلام إلى ربوع المنطقة؟

العدد 1140 - 22/01/2025