(حقائق ضد التهويد(فعّالية متميزة لمؤسسة القدس الدولية في دمشق

بتاريخ السابع من شهر أيار الجاري، أقامت مؤسسة القدس الدولية (فرع سورية) ندوتها العلمية (حقائق ضد التهويد)، ضمن كلية الآداب والعلوم الإنسانية (أيام كلية الآداب الثقافية)، وقد شارك في هذه الندوة كل من الدكتور سمير أبو صالح (الباحث في الدراسات السياسية)، بمحاضرة حملت عنوان (إضاءات على ظلامية التهويد)، والدكتور إبراهيم خلايلي (الباحث في تاريخ الشرق القديم وآثاره)، بمحاضرة حملت عنوان (ردود علمية على محاولات الاحتلال الإسرائيلي تهويد تاريخ مدينة القدس الكنعانية)، وقد حضر فعاليات الندوة كبار أساتذة كلية الآداب بدمشق وفي مقدمتهم عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأستاذة الدكتورة فاتنة الشعّال، كما شهد انعقاد الندوة عدد كبير من الطلبة والمهتمين والإعلاميين.

ومن خلال حضور مميز لصحيفة (النور) كان هذا التقرير عن أهم ما جاء في هذه الفعالية:

أضاء الباحث الدكتور أبو صالح، في محاضرته، على موضوع التهويد، من النواحي اللغوية والسياسية والتاريخية، فقدّم عرضاً وافياً عن الحيثيات التاريخية للموضوع الذي يعود في بداياته إلى مطلع القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا، ثم انتقل إلى فلسطين المحتلة فصار يميّز سياسة الكيان الإسرائيلي المحتل ويصبح نهجاً عدوانياً وعنصرياً يدأب عليه هذا الكيان في سياساته التوسعية العدوانية المستندة إلى الأوهام التوراتية والادعاءات الصهيونية الزائفة في الأراضي العربية المحتلة. كما أشار الباحث أبو صالح إلى بُطلان الادعاءات الصهيونية بوجود ما يسمى بـ(مملكة إسرائيل) أو (يهوذا) تاريخياً، ذلك أن المدد الأثري في المنطقة يدحض وبقوة هذه الادعاءات وينفي وجود أية حضارة أو دولة تحمل اسم (إسرائيل) قديماً.

وقدّم الدكتور إبراهيم خلايلي مجموعة من الردود العلمية على محاولات تهويد تاريخ مدينة القدس الكنعانية، معتبراً تاريخ القدس جزءاً هامّاً وأساسيّاً بل ومركزيّاً من تاريخ الشرق القديم باعتبار أن المدينة تضم خلف أسوارها جل مفاتيح المدن الكنعانية، الفينيقية، البونية، وبتاريخها الكنعاني بدأت آلة التحريف والتزوير التوراتية الصهيونية من خلال فرض قراءات وتفاسير خاطئة ومقصودة لروايات التوراة، جعلت من (عابر) و(داود) و(سليمان) وغيرهم من الشخصيات التوراتية، شخصيات تاريخية في القدس وفلسطين القديمة، علماً أن أسماءهم، حسب الباحث الخلايلي، هي أسماء مجهولة لأشخاص مجهولين في وثائق الشرق القديم الحقيقية التي تنفي وجود ما سُمي بمملكتيْ (إسرائيل) و(يهودا() وبالتالي فإن دحض هذه المزاعم انطلاقاً من التحقيق فيها بالروايات الخاصة بمدينة القدس يكتسب أهمية قصوى، لأن الاحتلال الإسرائيلي يركّز على القدس المحتلة بسبب مركزيتها التاريخية وأهميتها في المنطقة، ومن أجل تعميم مزاعمه. ولدى البحث في أهم تلك المزاعم بخصوص القدس، يرى الباحث أنها تخص المعبد التوراتي المزعوم المسمى (معبد سليمان)، كما تخص (سليمان) نفسه، ثم (يهوه) الإله المتعصّب الخاص بالتوراة فقط، وأكّد أن كُتّاب التوراة أرادوا صناعة صورة لبني (إسرائيل) تشبه صورة الكنعانيين من خلال الحديث عن معبد يُبنى بالأسلوب الكنعاني من الحجارة الضخمة وأخشاب الأرز، ويُزيَّن بالطريقة الكنعانية، فنُسجت الرواية التوراتية استناداً إلى تقاليد بناء المعابد الكنعانية ومخططاتها الهندسية المعروفة، وبقيت هذه الرواية لاستخدام التوراتيين فقط كادعاء بوجود معبد لليهود في القدس، لم يثبت البحث الأثري شيئاً عنه، كما أشار الباحث إلى أن حديث التوراتيين حالياً عن ذريعة باسم المعبد في القدس، هو حديث غير علمي وغير منطقي، وتنقضه روايات التوراة نفسها.

أما عن (سليمان) المزعوم فقد أكد الخلايلي أن جل أخباره في التوراة حيك استناداً إلى واقع لم يكن موجوداً فيه… وكذلك الأمر بخصوص إله اليهود الوثني (يهوه) الذي لا وجود له في وثائق الشرق القديم، بل ذُكر فقط في التوراة على أنه كان يُعبد في خيمة متنقلة تعكس طبيعة حياة (بني إسرائيل) وصورتهم حسب التوراة. أما الكيان الإسرائيلي فقد أصرَّ على خلق وجود أثري قسري لـ(يهوه) لتأكيد صحة كل الروايات التوراتية المرتبطة به، وقد أشار الباحث الخلايلي إلى ذلك من خلال حديثه عن أخطر المحاولات في هذا الصدد وهو موضوع إقصاء الإلهة الكنعانية (أشره) من (أرض كنعان) ومحاولة إحلال اسم (يهوه) بدلاً من اسمها في نقش (مزعوم) أثري مهشّم… وهذه الإلهة الكنعانية أي (أشره) مذكورة باسمها المكوّن من أربعة حروف في النسخة العبرية لكتاب التوراة (أ، ش، ر، هـ)، وقد ورد ذكرها في أسفاره حوالي أربعين مرة، إلا أنها لم تُذكر على الإطلاق في النسخة العربية للتوراة باسمها هذا، وإنما استُبدل بعبارة (سارية خشبية).

لذا فقارئ النسخة العربية والانكليزية أيضاً لا يدرك أن (أشره) مذكورة في التوراة أو معبودة في أرض كنعان، الأمر الذي يعد تشويشاً على الوثائق الخاصة بالإلهة الكنعانية التي أثبتت حضورها الإثنوغرافي والإيبغرافي في العالم الكنعاني من أوغاريت إلى القدس. وقد قدّم الباحث الخلايلي في محاضرته رداً علمياً تفصيلياً على تلاعب المؤرخين والآثارين الإسرائيليين بموضوع النقوش التي يحاولون من خلالها، وجلُّها مزيّف، إثبات ادعاءاتهم، وأشار إلى أن جل عمليات التلفيق الإسرائيلي وتزييف الحقائق لا يواجه ردوداً من قبل الأكاديميات العربية التي ينأى معظمها بنفسه عن الرد العلمي على مثل تلك الطروحات بسبب عدم الثقة بالنفس وعدم امتلاك القدرة على ذلك، بينما يتعرض الرد العلمي المتخصص على تلك الطروحات أحياناً إلى الطعن من باب أنه تطرّق لمنشورات توراتية!

وهذا التصرف اللاعلمي تستغله الدوائر التوراتية لتثبيت حججها في المؤتمرات الدولية التي تقرر شؤون تراث العرب بغياب أكاديمياتهم.

وقد اختتم الخلايلي محاضرته بالقول (إن نسف المزاعم الصهيونية بخصوص تاريخ القدس وباستخدام وثيقة التوراة نفسها إلى جانب المدد الأثري هي عمليةٌ في غاية الضرورة لمقاومة الأطماع الصهيونية في المنطقة كلها، تلك الأطماع المبنية على تحريف واضح للمعطيات الأثرية والكتابية في المنطقة لتناسب ما أقرّته المدرسة التوراتية والصهيونية من معلوماتٍ مصدرُها التوراة، ولكن لا مستند لها على الأرض).

العدد 1136 - 18/12/2024