رؤية عميقة وقراءة بعيدة المدى تُدعى أفكار(ثوريّة)

يُقال العلم سلاح، ماذا لو قلنا إن القلم هو السلاح في يد طالب العلم أو الرسام والكاتب، يستطيع هؤلاء اقتناص مواضع الفائدة منه وتوجيه طاقاته وطلقاته نحو الهدف الصحيح، لكن ما رأيتُ قلماً يفتكُ في معركةٍ إلاّ بيد طالب قرر تمزيق ورقة بيضاء.

فقلمي مثلاً في كل مرة أقرر كتابة مقال أراه ينتفض ويفرد جناحيه، يجمع كل الأرواح الشريرة ليحطّ على كتفي ويُردد جملة مسمومة في خلدي أسكبها على الحاسب، وهنا يصفعه الرقباء (يا غبيّ، أفكارك (الثورجيّة) هذه ستحمل أنوثتها إلى أقرب زنزانة أو ستصبح منبوذة الفكر اجتماعياً).

لِمَ؟ هل رؤية عميقة للمحيط وقراءة بعيدة المدى لبعض المُعطيات صارت تُدعى أفكاراً(ثوريّة)؟!

هل نقد الواقع الاجتماعي أو مجرد تسليط الضوء على ثغرات بشعة نَمُرُّ بها ونحن في عام 2018 صار تمرداً؟

ليس مجرد التعبير من خلال الكتابة جريمة، فالتعبير في حدّ ذاته تُهمة!

المفروض أن التطورات التي نشهدها على كل الأصعدة جعلتنا نؤمن بشكل حقيقي بأهمية تطبيق المبادئ المصوغة في شرائع الدول، فتكون حرية التعبير عامة والصحافة خاصة أمرٌ لا نبُتُّ فيه، فالدولة عليها أن تُقرّ بحرية الصحافة والصحفيّ، وأن تضمن لهم حقوقهم وأمانهم.

أودّ قول الحقيقة الآن، لكن مفروضٌ عليّ أن تكون بطريقة أنيقة مشطوفة الحواف لا تُجرد النصال على نحري (نحن لا نملك ولا حتّى الاعتراف بحرية التفكير والتعبير).

لِمَ نُعرّض الصحفيّ في أي موقع كان لِلَسعَة كهرباء تقرض من لسانه جزءاً، فيتلعثم بحقيقة واضحة ويصير ضمنياً غير جدير بثقة المواطن؟!

لماذا لا نُسقط التقليدي ونحكي بشفافية بدلاً عن الكنايات والتشابيه الضبابيّة؟!

مجرد ذكر الدولة أو ركن من أركانها، إضافة إلى رجال الدين وأفكارهم، يُلزمنا بخفض الصوت وانتقاء الثقة من السامعين، أو شطب الفكرة لو كنا نبتغي خطاً مستقيماً وسليماً لحياتنا.

قضايا السياسة والدين كأنها قرآن منزَل لا يُمسّ ولا يُحرّف!!

حديثي ليس دعوة إلى تمرّد على جهة، أو دعوة إلى انتفاضة عبثية لتغيير الدين والمعتقدات. لا، الفكرة أننا نُريد مناقشة عقلية سليمة بطرق حضارية تضمن لكل الأطراف حالة الرضا، ولا تبقى الكلمات والآراء حبيسة الصدور خشية الأعين.

في النهاية الصحفي يُناقش يُحلل وينقل وجهة نظر شخصية أو رأي الشارع، فحالة التصالح مع الذات في محور الصحافة حالة صحية حضارية إن كُنا نبتغي وجهاً سليماً للمجتمع وللعقول فيه.

التعتيم والكبت لا بدّ لهما من نهاية.

لِمَ نُضيّع على أنفسنا الفرص، ونُسدد الكرة في مرمانا؟! نفتح جبهات إن لم تكن ظاهرة فهي موجودة بالخفاء حتماً.

 

العدد 1136 - 18/12/2024