صحافةٌ حرَّة… مجتمعٌ حرٌّ

صادف الثالث من أيار اليوم العالمي للصَّحافة بمختلف أشكالها الورقية والالكترونية والمسموعة والمرئية …إلخ، هذه المهنة الرَّاقية القائمة على نقل الواقع بمصداقيةٍ وتسليط الضَّوء على السَّلبيات للعمل على تلافيها، والمساعدة بتقديم بعض الحلول للانتقال بالمجتمع نحو التَّطور والرُّقي.

إلاّ أن هذه المهنة وككل المهن قد أُخضعت للُّعبة السِّياسية والتَّكتلات والتَّحزُّبات، فجرى تحويلها لتصبح واحدةً من أدوات تلك التَّكتلات، وغدا عملها منحصراً في نقل الواقع والأخبار حسب وجهة النَّظر الخاصة بتلك المؤسَّسات، وتجييش الرَّأي العام بما يتوافق مع مصلحتها وأهدافها بغض النَّظر عن المصداقية أو الشَّفافية، ما جعل الوصول إلى الحقيقة أمراً صعب المنال، فكل جهةٍ تجيِّر الحقائق لتتناسب ورؤاها فقط.

لم تعد السُّلطة الرَّابعة ملك نفسها كما كان من المفترض لها أن تكون، وفي بعض الأماكن والمجتمعات لم تعد تقارب اسمها أبداً، فقد فُرِّغت تماماً من محتوى سلطتها بحيث لم تعد قادرةً على فعل أيّ شيء سوى الحديث فقط، هذا إن أُعطيت هذه الفرصة أساساً ـ فحتى مجرد الكلام أو استخدام بعض العبارات وتسليط الضَّوء على نقاط الضَّعف أو التَّخلُّف بات من المحرَّمات ويحتاج إلى إذنٍ مسبقٍ، فإما أن يكون أو لا يكون حسب قرار السُّلطة الحاكمة المتحكِّمة بالأمور في نهاية المطاف، والمقصود بالسُّلطة هنا أشكالٌ عدَّة، فربما كانت سلطةً سياسية أو دينية أو عسكرية أو مالية أو… حسب الجهة المسيطرة، وعلى هذا الأساس تختلف القيود المفروضة على الصَّحافة والصّحفيين الذين تحوَّلوا إلى جنودٍ مجهولين لا يعرفون متى يأتيهم الدَّور وينالون العقاب أو الثَّواب النَّاجم عن رفض السُّلطة الحاكمة أو قبولها لعملهم.

وفي بعض الأحيان يُستخدم هؤلاء الجنود كبيادق لخدمة جهاتٍ محدَّدةٍ، فيجري تسريب بعض الأخبار إليهم ليقوموا بنشرها بعد تمحيصها، ما يحرك الرَّأي العام حول قضيةٍ ما، إمّا لجسِّ نبض الشَّارع حول قضيةٍ ما أو للضَّرب بجهةٍ أخرى، وفي كلتا الحالتين المجني عليه الأول هو من قام بنشر المعلومة، ويبدأ القصاص الذي له أشكالٌ متنوعةٌ ليس أولها الفصل التَّعسُّفي من العمل وليس آخرها الحرمان من الحياة وكأنه لم يكن موجوداً أساساً.

جلُّ ما نتمناه في هذه المناسبة أن تستعيد هذه السُّلطة مكانتها التَّاريخية، لتتمكن بالفعل من الوصول إلى الحقيقة التي لا هدف لها سوى الإنسان والمجتمع، وأن تصبح حرَّةً من أيةِ قيودٍ وأن يتم إبعاد العمل الصَّحفي عن الارتباط بأي أمرٍ آخر وتركه حراً… فالصَّحافة الحرَّة تعني بلداً حراً وإنساناً حراً.

العدد 1140 - 22/01/2025