الصواريخ الروسية تحسم الجدل مع الغرب
بقلم د. أيمن أبو الشعر:
- صاروخ (أورشينيك) الروسي وصل إلى هدفه ودمره بسرعة تزيد عن عشرة أضعاف سرعة الصوت، ووصل إلى أسماع الغرب بسرعة الضوء!
يقول المثل الشعبي باللهجة العامية (يا رايح كثّر ملايح) أي لكي تترك انطباعاً جيداً عنك عليك في مجال نشاطك أن تتخذ قرارات إيجابية تفيد الناس، لكن بايدن استخدم النقيض وفق مقولة معاكسة (يا رايح كثِّر قبايح)، ويرى البعض أنها عادة دأب عليها الزعماء الأمريكيون لكي يتباهوا في مذكراتهم بأنهم اتخذوا قرارات نوعية حتى لو كانت سيئة للغاية وضد البشرية كما فعل بايدن.
قرار غبي وخطير على البشرية جمعاء
لماذا ظل البيت الأبيض رافضا إعطاء الأذن لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية في قصف العمق الروسي طيلة الفترة السابقة إن كان مثل هذا القرار ضروريا؟ إن التبريرات الأمريكية ذاتها تشير إلى أن عدم السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بالصواريخ الأمريكية هو لتجنب تصعيد قد يُوصِل إلى حرب عالمية ثالثة وصدام مباشر بين روسيا والولايات المتحدة والناتو عموما، ومثل هذا الاحتمال يعني بالضرورة تطور المواجهة إلى حرب نووية الجميع فيها خاسرون، فهل تغيرت المعادلة؟ أم أن الذي تغير هو موقف بايدن المغادر، ولعله بدأ منذ الآن كتابة هذه الأسطر في مذكراته طبعا باعتبارها قرارات شجاعة لمواجهة روسيا، دون أن يشير بالطبع إلى أنه وضع العالم على شفا حرب نووية. فلنتذكر مثلاً أن أوباما قبل أن يغادر البيت الأبيض اتخذ قراراً عجيباً بطرد 35 دبلوماسياً روسياً بحجة واهية في أن روسيا تدخلت في الانتخابات الأمريكية.
والحقيقة أن الولايات المتحدة وبريطانيا بالدرجة الرئيسية خطّطا منذ البداية لمثل هذا السيناريو حين أجبروا أوكرانيا على الانسحاب من مفاوضات استانبول التي كان يمكن أن توقف الحرب وتنهي الأزمة باتفاق منطقي تضمن فيها روسيا عدم تنامي دولة نازية بجوارها مباشرة، وفي الوقت نفسه يجري تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا المحايدة وهي المحاذية تماما للحدود الروسية، حتى أن صحيفة (ويلتفوخة) السويسرية أشارت بوضوح إلى أن واشنطن ولندن عرقلتا نجاح مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا لأنهما فضلتا محاولة إضعاف روسيا على إنقاذ أوكرانيا.
البندقية المعلقة في صدر المسرح
يؤكد القاص والمسرحي الروسي الشهير أنطوان تشيخوف أنه إن كانت هناك بندقية معلقة على الحائط، فيجب أن تستخدم في الفصل الثاني أو الثالث، وأن لا تبقى هناك إن لم يجر استخدامها… وهذا ينطبق تماما على صواريخ أتاكامز الأمريكية وستورم شادو البريطانية، فهذه الصواريخ لم ترسل إلى أوكرانيا عشية قصفها للأراضي الروسية بل قبل ذلك بكثير، من هنا يمكن التقدير وفق مقولة تشيخوف أنها أرسلت لا لتبقى على حائط الأحداث المتصاعدة، بل لكي تستخدم في وقت ما، وكان انتهاء فترة حكم بايدن هو المناخ المناسب، أولا لكي يكتب في مذكراته أنه كان بطلاً في اتخاذ هذا القرار الذي يمكن أن يؤدي إلى إعدام البشرية، والثاني لتفويت الفرصة على الرئيس ترامب الذي وعد بإنهاء الصراع والمتحمس لإنهاء الحرب وعدم تقديم كل هذه المساعدات لأوكرانيا.
إذاً المسألة تتعلق بهذا الشكل أو ذاك بامتحان صبر موسكو، ومدى تحملها لتصعيد الاستفزازات وتوسيع المشاركة العسكرية المباشرة للقوات الغربية وخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، فقد سبق أن عبر الرئيس الفرنسي ماكرون عن استعداده إرسال قواته إلى أوكرانيا، بل وناشد الدول الغربية بأن تتحلى بالشجاعة اللازمة لمواجهة روسيا.
الرد الروسي ليس نهائياً
استخدمت روسيا في ردها على قصف الأراضي الروسية بصواريخ أمريكية وبريطانية أحدث صواريخها من نوع (أورشينيك) وهي بسرعة تصل إلى عشرة أضعاف سرعة الصوت أي قرابة ثلاثة كيلومترات في الثانية بحيث لا يمكن لأية منظومة دفاع جوي التصدي لها وهي ذات قدرة تدميرية كبيرة جداً، ولهذا وصلت إلى أسماع القادة الغربيين بسرعة الضوء، والجوهر ليس هنا وحسب بل يكمن في أن الرئيس بوتين أعلن بوضوح أن لروسيا الحق في استخدام أسلحتها ضد منشآت عسكرية لدول تستخدم أسلحتها ضدها، وهو وإن كان لا يزال يؤكد استعداد روسيا للحوار إلا أنه أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن روسيا سترد على أي تصعيد بما يناسبه، ولم يكن صدفة أن يشدد بقرار رئاسي جديد على تطوير العقيدة النووية الروسية بحيث تتيح استخدام السلاح النووي ضد الدول غير النووية في حال شنت هجمات على روسيا بمساعدة دول نووية، الأمر الذي ينطبق على أوكرانيا، فضلاً عن حديثه بأن الصراع في أوكرانيا بدأ يأخذ طابعاً عالمياً، وهذا يعني أن التصعيد الغربي سيقابله رد روسي مناسب وستتصاعد هذه الحلقات إلى مواجهات مباشرة، إذ لا يخفى على أحد أن قصف أوكرانيا للأراضي الروسية بصواريخ غربية بعيدة المدى لا يمكن أن يتم دون مساعدة التقنيات الفضائية الأمريكية، وهذا يعني بالضرورة الدخول في الحرب بشكل مباشر حتى وإن لم يتم إرسال فرق عسكرية، بالمناسبة المشاركة العسكرية الغربية المباشرة تتم عملياً من خلال إرسال المرتزقة بعشرات الآلاف.
ذعر غربي بعد الرد الروسي
أوضح وزير الدفاع السلوفاكي كالينياك أن بلاده ترفض السماح لأوكرانيا بقصف عمق الأراضي الروسية بصواريخ غربية معرباً عن قلقه من استفزازات يمكن أن تصعد الصراع دولياً، ومن أن إمكانية كبح الجماح في حال حدوث استفزاز جديد لن يكون ممكناً، وقد بقيت سلوفاكيا نسبيا خارج السرب الغربي فيما يتعلق بمجمل الأزمة الأوكرانية، والعقوبات على روسيا التي تعتبرها سلوفاكيا تلحق الضرر بها وبأوربا عموماً.
ويبدو أن الأوساط الإعلامية الغربية بدأت تتحسس مدى خطورة القرار الأمريكي وردة فعل موسكو، فقد اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن صاروخ (أورشينيك) الروسي سيؤسس لوضع جديد إلى أن يحل ترامب في البيت الأبيض حيث سيكون أمامه خوض مساومة قاسية وقد يتخلى عن أوكرانيا، مشيرة إلى أن ترامب سبق أن انتقد النهج الأمريكي تجاه أوكرانيا ووصف زيلينسكي بالتاجر الذي يحصل إثر كل زيارة لواشنطن على العديد من المليارات. أما صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية فاعتبرت خطاب الرئيس الروسي تحذيراً للولايات المتحدة وجميع حلفاء أوكرانيا، ورأت (وول ستريت جورنال) التي تصدر في نيويورك أن قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ (أورشينيك) هو مجرد إشارة، بمعنى أنه مجرد بداية، فيما ركزت (لو باريزيان) الفرنسية على أن بوتين ألقى كلمته إلى الأمة بوجه متجهم ما يؤكد استعداد روسيا لأي سيناريو لتطور الصراع مع أوكرانيا وحلفائها، وقالت (الباييس) الإسبانية أن بوتين أظهر ثقة كبيرة بأسلحته مؤكداً أن لا قوة في العالم أجمع يستطيع مواجهتها.
هل يريد الغرب الحرب مع روسيا؟
هناك قصيدة شهيرة للشاعر الروسي يفتوشينكو تحولت إلى أغنية بعنوان (هل يريد الروس حرباً)، وهي كرد على الإعلام الغربي الذي سعى باستمرار إبان الحرب الباردة لتصوير روسيا وكأنها تعد العدة لمهاجمة الدول الأوربية، ويفند الشاعر هذا الاتهام بقراءة الواقع العملي اليومي خطل هذه الدعاية ومنها:
نتقنُ الحربَ نعمْ
غيرَ أنّا لا نُريدْ
أنْ يخرَّ الجندُ للأرضِ الحزينةْ
اسألوا عن ذاكَ رعشَ الأمهاتْ
اسألوا الزوجاتِ كلَّ العاشقاتْ
وعليكم بعدها الإيقانُ قلباً
هل يريدُ الروس حربا؟
نعم روسيا لا تريد الحرب وقد أعلنت عن ذلك مراراً وتكراراً، ولكن بعض الدول الغربية تشعل النيران الدعائية وكأنما روسيا تخطط لاحتلال جميع الدول الأوربية، ومع ذلك تؤكد واشنطن مثلاً أنها لا تريد ولا ترغب في الحرب مع روسيا لكنها تسمح لأوكرانيا بقصف الأراض الروسية بصواريخ لا يمكن لكييف تشغيلها وتسديد أهدافها دون مساعدة الأقمار الصناعية الأمريكية أي أن السياسة الغربية تسير نحو جعل الحرب على أعتاب الأيام القليلة القادمة، رغم أنها في أعماق نفسها تدرك أنه لا يجوز المقامرة بمصير البشرية كرمى لأوكرانيا التي يسيطر عليها النازيون الجدد، فضلاً عن إجراءات عسكرية تحسبية في إعداد بعض الجيوش وجعلها مستعدة للقتال ضد روسيا حتى أن ألمانيا التي لم توافق على ضرب العمق الروسي بالصواريخ الغربية باتت تستعد لاحتمال المواجهة، حتى أن ميتكو ميلر المتحدث باسم الدفاع الألمانية أكد وجود خطة عملياتية يتم إعدادها وتطويرها منذ سنوات بشأن احتمال نشوب حرب مع روسيا وسيكون على ألمانيا التنسيق مع الناتو ونقل الجنود إلى الجبهات… ولكنه لم يتحدث عن أنهم لن يعودوا أبداً!