إياكم أن تعتادوا المشهد أو التضامن بالصمت.. هم ليسوا أرقاماً!
د.عبادة دعدوش:
يومٌ مثل أيّ يوم آخر، لكنه في هذه الأرض المشحونة بالحزن يرتدي عباءةً ثقيلة من الألم والغضب. يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يُصادف في 29 من تشرين الثاني من كل عام، هو يوم تُرفع فيه الرايات ويُكرّر فيه العالم وعوده، فيُعيد صياغةَ عباراته الرنّانة، لكنها تصبح تدريجياً مُغلّفةً بالصمت. صمتٌ مُطبق، يخفي وراءهِ تناقضات مرعبة: الحرب الصامتة التي يخوضها الشعب الفلسطيني، بينما العالم يراقب من بعيد، وكثيرون هم الذين اعتادوا المشهد من قتل وسفك للدماء، وتهجير وتدمير للمنازل.
فمنذ أكثر من عام، والعدوان الوحشي الجائر على الفلسطينيين يستمرّ مرتدياً ثياباً مُختلفة من حصار خانق على غزة، إلى هدم المنازل في الضفةِ الغربية، إلى احتلال الأرض وسرقة الموارد.
وكالعادة، (يوم التضامن) لم يأتِ معه سوى المزيد من التهديدات والوعودِ الخائبة. فالضغط الدولي أصبح مجرّد شعارات تُطلق في المناسبات، لا يتبعها عملٌ حقيقيّ يُجبر الكيان المغتصب على العدول عن سياساته في ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر، وكأن الحقوق الإنسانية أصبحت فقط كلمات تُستخدم بشكل انتقائي تُغْني عن الواقعِ المُرّ.
دائماً أسأل نفسي: ما هو سرّ هذا (التضامن الصامت)؟ هل فقدَت الدول قدرتها على التحركِ في وجه الظلم؟ أم أن مصالحَها أصبحت أهمّ من قضية شعب؟ أما حان الوقت لكي نعيد تقييم معنى (التضامن)؟! فالوعود الرنّانة، والإدانات الباردة لا تُقدّم حلّاً للواقع المُرّ، نحتاج إلى فعل حقيقي، إلى ضغط دولي قويّ يُجبر الكيان المحتل على الالتزام بالقوانين الدولية. نحتاج إلى محاسبة حقيقة للإرهاب الحقيقي ولكل من يقف وراءه ويقدم له الدعم. نحتاج إلى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وإلى نهاية لحكاية الحرب الصامتة.
لعلَّ (يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني) يصبح فرصة لِإعادة الصياغة لمعنى التضامن، ليُنتِجَ عملاً ملموساً يُترجَم على أرض الواقع.
فالشعب الفلسطيني ينتظر منّا أكثر من كلمات مُفرغة من المعنى، مثلما ينتظر منّا أن نكونَ صوته في عالم غارقٍ في الصمت.