طفولة في مهبِّ الريح

وعد حسون نصر:

الطفولة في زمنٍ كهذا الزمان أضحت مُغمّسة بالقهر، حتى إننا أصبحنا نراهم نفوساً كهلة بأجساد صغيرة، أحلامهم أصبحت تفوقهم سناً، لأنها لم تعد مُجرّد كرة ودراجة صغيرة وثياب جميلة ملونة ولا حذاء رائع، بل باتت البحث عن عمل مناسب ينالون منه دخلاً جيداً يُمكّنهم من شراء مستلزماتهم والعيش باكتفاء مقبول نوعاً ما. انصرف كثيرون منهم عن مقاعد الدراسة تحت مُبرّرات حاضرة، منها أنه لا يوجد مُعيل للأسرة! أو أن الدخل لا يكفي ويجب على الجميع العمل، وهنا يجد الطفل نفسه شخصاً راشداً ومسؤولاً عن أهله رغم صغر عمره، رغم أنه من المفترض أن يكون هو من يحتاج إلى داعم وراشد مسؤول عن سلوكه وموجّه له. خلال سنوات الأزمة وبعدها وحتى الآن حدث العكس من كل النواحي، فقد استُغلّ الأطفال في كلّ الاتجاهات! جرى استغلال أجسادهم من خلال إجهادهم بالعمل وتحميلهم عبئاً وجهداً لا يتناسب مع أعمارهم وتلك الأجساد الغضّة.

البعض ممّن فقد مسكنه وأسرته استُغِلَّ من قبل أشخاص أتقنوا مهنة الاتجار بالبشر؟، فجعلوا من هؤلاء الأطفال فرق متسولين في الطرقات تجمع المال من المارة وتتعرّض لكل أنواع الإهانات والقهر والظلم. كذلك البعض استغلهم ليكونوا باعة متجولين لا همَّ إن تعرضوا لعوامل الطقس من شمس ومطر، المهم أن يجمعوا المال لقاء مكوثهم مقابل فتاتٍ من الطعام. وكما لم يرحم البعض الطفولة هناك من جعل بعض الأطفال متعاطياً للمواد المخدرة، بل أحياناً جعلوه تاجراً ووسيطاً بين متعاطيها دون إدراك لمدى تأثيرها على المجتمع ومدى تأثيرها على هؤلاء الأطفال الذين باتو عرضة لشتّى أنواع القهر والاستغلال!

غير أن أشدّ أنواع الاستغلال قهراً هو استغلالهم جنسياً وجعلهم أداة متعة وخاصةً في زمن الحروب وما خلّفته من أزمة أخلاق جعلت للرذيلة مُبرّراتها، وبتنا نلاحظ دعارة (مشروعة) تحت مبرّر الحاجة المادية، إذ تغدو فتيات قاصرات أداة المتعة تحت ضغط الحاجة وقلّة فرص العمل وارتفاع أسعار السلع وإيجارات المنازل، وبالتالي فإن فقدان كثيرات منهن للمأوى جعلهن لقمة مستساغة بيد سفّاح يقهر طفولتهن ويجعل من أجسادهن أداة سعادة لطالبها مقابل المأوى والمال ولقمة العيش، وهنا أُرغمت كثيراتٌ منهن على هذا العمل لأن الخيار صعب ما بين التسكّع في الطرقات، والتعرّض للتعنيف والاعتداء الجنسي، والمكوث في منزل دافئ وطعام شهي وملابس جميلة ومبلغ لا بأس به من المال، فكان الخيار الثاني مناسباً للكثيرات منهن، وخاصة بعد أن اعتدن على هذا النمط من الحياة. حتى الدراما رغم أنها وسيلة توعية في المجتمع استغلّت في بعض مشاهدها الأطفال جنسياً وجعلت منهم وسيلة لشدِّ المُشاهد. كذلك بعض الإعلانات التجارية كان لها دور باستغلال الأطفال وعرض أجسادهم بأسلوب منافٍ للطفولة.

لا يوجد أيُّ مُبرّر لانتهاك حرمة الطفولة وخدش براءتها وزجّها في هواية التشويه الفكري والجنسي، ولا بدَّ من محاسبة كل من تسوّل له نفسه استغلال طفل أو قاصر تحت أيّة ذريعة.

كذلك يجب العمل على نشر التوعية وخاصةً في المدارس ومن خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، عن الاتجار الجنسي واستغلال الأطفال للأغراض الجنسية ومدى تأثيره عليهم جسدياً ونفسياً.

وصار ضرورياً إيجاد مراكز إيواء تحتوي أطفال الشوارع وتؤهّلهم ليكونوا عناصر فعّالة في المجتمع، بدلاً من جعلهم متسولين في الطرقات، وإقامة مراكز لتشغيل الفتيات وتعليمهم مهناً وحرفاً يتمكّنّ من خلالها تأمين مستلزماتهن المادية عبر إقامة معارض لعرض أعمال تلك الفتيات والنساء وبيعها، بدلاً من جعلهن عرضة للاستغلال الجنسي والجسدي والتشوّه الفكري.

لكن للأسف، فإن ما نراه اليوم عبارة عن تغييب تامّ لدور المؤسسات الاجتماعية داخل المجتمع، وانتشار كبير للأطفال في الشوارع، وتعزيز الدعارة المشروعة عبر وسائل التواصل وفي الطرقات وفي أماكن مُخصّصة، كل هذا بات مسموحاً ومُبرّراً تحت ذريعة الفقر والحروب والأزمة وما خلّفته.

العدد 1132 - 13/11/2024