من الكحل.. إلى العمى!

السويداء- معين حمد العماطوري:

منذ تسلم الحكومة الجديدة مهامها، وهي تصدر القرارات الجائرة بحق الشعب، وكأنها جاءت مشحونة ضده، فهي تمارس أسوأ اساليب الضغط الاقتصادي والمعيشي، الى درجة لم يبقَ للمواطن هواء يتنفس منه بعيداً عن الطعام والماء.

فقد كان أول قراراتها رفع سعر مازوت التدفئة بنسبة 150 بالمئة، ثم رفعت سعر البنزين، وبدأت برفع أسعار المواد الغذائية بذريعة مواكبة الأسعار العالمية.

إذا كان راتب الموظف، بعد خدمة أربعة عقود لا تتجاوز قيمته 22 دولاراً، وهناك مناطق في العالم تعيش حروباً تدميرية متوسط دخل الفرد فيها لا يقل عن 600 دولار.. فهل تدخل معادلة المقارنة بالأسعار العالمية في حساب منطقي كهذا؟!

ما صدر من قرارات دخل بزيادة تكاليف الإنتاج، والسعي في الزوايا المظلمة والخفية لإرهاق المواطن، إما بفرض الضرائب أو زيادة تكاليف التشغيل والعمل والإنتاج والحياة المعيشية اليومية، ولم نتحدث عن أجور السكن والنقل وغيرها.

لعل لذلك يدفعنا للسؤال إذا كانت حكومة عرنوس التي حلم الشعب برحيلها وعاد نصفها مجددا، تشبه الكحل، فإن اليقين الذي بات واقعياً في حكومة الجلالي أنها تمثّل العمى، لأنها تعمل على زيادة التضخم وإضعاف القوة الشرائية، وزيادة تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يشرعن الفساد وممارسته لضمان استمرار الحياة والعيش.

 

الرؤية الضبابية

أليس من الممكن لسياسة الحكومة الحالية أن تقدم برهاناً يشعر المواطن بالأمل في استمرار الحياة والمحافظة على مقدرات الوطن والمواطن، بعد أن بات المستحيل يعانق فضاء التنمية التي لن ترى النور في ظل تفكير حكومي يتكئ على مقدرات الشعب في تعبئة خزائنه.

منذ بداية عملها تصدر القرارات التي تزيد الفقر والحاجة، والشعب لم يعد يقوى على الاستمرار بالحد الأدنى الادنى من العيش، فالأجور المنخفضة تلتهمها الأسعار الملتهبة يومياً.

ماذا يعني مثلاً رفع سعر الغاز المنزلي إلى 140 ألف ليرة سورية، والمازوت إلى 5000 ل س لليتر المدعوم، مع أن الأجر الشهري لا يتجاوز ٣٢٥ ألف ل. س؟!

إذا كانت الخمسين ليتر مازوت (حصة الأسرة الواحدة المخصصة للتدفئة على البطاقة) قيمتها ٢٥٠ ألف ل. س. وأثناء التعبئة يأخذ صاحب المحطة زيادة ٥ آلاف ليرة، يضاف إلى ذلك أجور النقل ٥٠ ألف ل. س. هذا يعني أن راتب الموظف الشهري يكاد لا يكفي لتأمين هذه الخمسين ليتر مازوت التي تخصصها الحكومة للأسرة.

ومثله الغاز الذي بات على المواطن أن ينتظر ٨٥ يوماً حتى تصل الرسالة، ما يعني أن المواطن قد لا يستطيع إعداد إبريق من الشاي في اليوم الواحد!

أما عجلة الإنتاج فقد توقفت، وكثير من أصحاب الشركات والمعامل أعلنوا ذلك، نتيجة لارتفاع أسعار الفيول والمحروقات.

بالمقابل هناك متنفذون يعملون على زيادة أرصدتهم على حساب المقدرات الوطنية.

وإذا كانت تكاليف التعليم باتت فوق قدرة كثير من الفقراء، ًفي الأساسي والثانوي أو الجامعي، ولم يعد قادراً عليه إلا أبناء الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال أو المغتربين، وبدأت مؤخراً تظهر رائحة دخان الفساد في التربية والتعليم العالي ووصلت إلى السماء.

ومثلها الصحة بعد رفع الدعم عنها، وفق قرار مجلس التخطيط الاقتصادي الذي خصص اعتماداً محدوداً لفقرات أدوية السرطان ومستلزمات المخابر البسيطة، أما باقي المستلزمات فهي على المريض، وكثير من مرضى السرطان غير قادرين على تأمين أجور المعاينة، فما بالك بتكاليف العلاج والأدوية والنقل؟!

المواطن السوري قد يكون الأقل دخلاً في العالم، وقد تدنّى وضعه إلى ما تحت خط الفقر بكثير، والفساد والإفساد الممنهج يتنامى ويزيد بسرعة صاروخ مخترق لسرعة الصوت، والرواتب والأجور السائدة لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من الغذاء، لعدّة أيام فقط، دون احتساب كلفة السكن والنقل والطبابة والألبسة وغيرها من مستلزمات الحياة.

لماذا لا توضح الحكومة للشعب خطتها وسياستها الاقتصادية النقدية والمالية والتسويقية لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي، على أن تلتزم بمصداقية تنفيذها؟

لماذا لا تفتح آفاقها للاستفادة من الخبرات الاقتصادية وتنفيذ الأفكار التي تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي؟

لماذا تضغط على المزارع بمعيشته، وتطالبه بالثبات والاستمرار دون أن تقدم دعماً حقيقياً ملموساً للقطاع الزراعي سوى بالشعارات؟

أسئلة كثيرة تراود المجتمع والأفراد في ظل ما تصدره الحكومة من قرارات حتى بات يقال: إذا كانت حكومة عرنوس هي الكحل، فهذه الحكومة هي العمى حقاً!

العدد 1132 - 13/11/2024