جيل تائه في المجهول
وعد حسون نصر:
ضياعٌ، تخبطٌ، ومستقبل غامض.. وماضٍ دمّرته الحروب وأنهكته الأزمات.. لحاضر يغوص بالقهر والسعي وراء لقمة العيش، وراء صنع مستقبل بعيد لا نعلم عنه شيئاً.. ننام لا نعلم ما إذا كُنّا سوف ننهض من كثرة الهموم التي كبّلت أعناقنا لدرجة أنها ستُنهي حياتنا لشدّة الضغط على رقابنا!! كلمات الإحباط لا تفارق شفاهنا ولا يخلو منها حديثنا، فهي ملازمة لجلساتنا سهراتنا، وأسئلة كثيرة تُطرح عن المعاناة ومتى ستنتهي؟ كم عمل سوف أعمل كي ألبي مطالب أسرتي؟ إذا صارعني المرض من يسدَّ مكاني في عائلتي ويؤمّن دوائي ومطالب المنزل؟ حتى المرض أصبح عبء ثقيل علينا.. أصبحنا نخشى الراحة حتى لا نُقصّر في تأمين حاجتنا وحاجات أُسرنا! أطفال شاخت ضحكاتها على مقاعد الدارسة رغم أنها في السنة الأولى من عامها الأول في المدرسة!! لكن بمجرّد أن تتلقى كتابها المدرسي الأول القديم وبعض أوراقه ناقصة نحزن وتختفي الضحكة، باختفاء حلم أولئك الأطفال بمقعد نظيف وكتاب ملون جديد وباحة مليئة بأشجار والأزهار والمياه النقية!! لكن الحلم تحوّل إلى كابوس في مدارسَ كُتُبُها عفنة ومقاعدها مُحطّمة وصنابير مياهها فارغة، وحتى باحتها هي اليوم مكبٌّ للأوراق وبقايا الطعام، وهذا لا ينطبق فقط على المدارس الابتدائية إنما على كل المراحل!!
أولادنا في مرحلة الشهادة نجد أن آلاف الأسئلة تجول في رؤوسهم عن مستقبلهم بعد الشهادة، عن أحلامهم عن طموحاتهم، عن وضع البلد هل للأفضل أم هكذا ستبقى إلى أن تأتي قدرة الهية تقلب الموازين.!! جميعنا نتخبّط بصراع أرواحنا، بصراع أفكارنا، وصراع ما بين طموحاتنا وما فُرِض علينا من واقع وعمل لا يناسب كفاءتنا!
حتى المُسِنّ، من قال لكم إنه يحيا في سلام وطمأنينة.. المُسِنُّ أكثر أرقاً وتعباً، أفكاره متضاربة، يخشى الوحدة ويخاف أن توافيه المنيّة وهو وحيد منسيٌّ، فأبناؤه سرقتهم الحياة وضاعوا بين أزقتها داخل البلاد وخارجها، دواءه مُقنّنٌ بمردوده المادي الضئيل، يخشى أن يستيقظ يوماً ودواء الضغط والسكري يكاد ينفد! جميعنا محكومون بالهمِّ لا بالأمل، نعيش فقط يوماً بيوم، فإذا عملنا أكلنا، وإذا مرضنا وأخذنا قسطاً من الراحة تبقى أفكارنا تعمل وتدور من شدّة التفكير بيوم غد وما يترتب عليه من عمل إضافي لسدِّ عجز راحة يوم سابق!
مستقبلنا الغامض فرضته علينا أزمة، ومن ثمَّ سوء إدارة من الحكومة، وسوء تطبيق القانون وانتشار الفساد والاتجار بالبشر وأرزاقهم بسبب استغلال ضعفاء النفوس لحاجة البشر.. كذلك نمو طفيليات بشرية على حساب جهدنا ونقائنا وحاجتنا للعمل ومردود يكفي أساسياتنا! بتنا نرى اليوم طبقة قريبة من السماء وطبقة لامست ما دون الأرض، وما بين هاتين الطبقتين نحن اختفينا، لا نستطيع أن نصل بمقلنا للسماء، ومن غير الممكن أن نلتصق بالأرض. فنحن من جاهد وتعب وتعلّم وأبصرت النور أفكاره لا يليق بنا أن نكون على مستوى الأرض، ولا يمكن أن نُحلّق نحو السماء بأجنحة مُكبّلة بالفساد!
اليوم نعيش حالة تخبّط بين مبادئنا وما حولنا من فساد، وبين ماضٍ كان نوعاً ما جميل، وحاضر أغرقه الهمّ ولفّه بوشاح من سواد، وبين مستقبل مجهول داخل البلاد وحتى خارج أسوارها!! لذلك تجدنا قد ضعنا بمختلف مراحل العمر وخلال أزمة البلاد.. فهل من مُغيث!؟