تحت رماد الفقر.. أحلام السوريين وآمالهم حرقتها نيران الفقر وحوّلتها إلى رماد

د.عبادة دعدوش:

في السابع عشر من تشرين الأول، يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على الفقر، والوصول إلى عالم خالٍ من الفقر بكل تجليّاته، عالم يتسم بالعدالة والمساواة. لكن في الحقيقة هذه أكبر أكذوبة في العالم، وخاصة في البلاد التي خضعت للحروب والأزمات كدولتنا الحبيبة سورية التي تتعرّض لأكبر المؤامرات حيث تتجلّى قسوة الواقع بوضوح، وينحصر الاحتفاء في صمتٍ ممزوج بالألم، بينما يعيش ملايين السوريين تحت وطأة الفقر، وليس فقط كواقع اقتصادي، بل كحالة اجتماعية ونفسية مزمنة.

تجليات الفقر

إنه أكثر من نقص في المال، فإذا كنت تسير في شوارع المدن السورية، فلا يمكنك أن تتجاهل علامات الفقر الصارخة. البيوت المُهدّمة، الأسواق الخالية، والأكفُّ الممدودة تطلب صدقة أو مساعدة. الفقر في سورية يتجاوز كونه نقصاً في الموارد المالية، إنه غياب الأمل، انتزاع للكرامة الإنسانية، والتدحرج نحو معاناة مستمرة.

كل يوم، يواجه الكثيرون تحديات الافتقار إلى الأكل والشرب والتعليم، والرعاية الصحية. هذا هو الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم، حيث يمكن أن تكون وجبة الطعام عملية قاسية، وتصبح الدراسة حلماً بعيد المنال. والنتيجة هي تفشّي الجهل والمرض، ممّا يؤدي إلى إضرار غير قابل للإصلاح في المجتمع والأجيال القادمة.

آثار الفقر أنياب قاتلة

إن الفقر ليس مجرّد حالة اقتصادية، بل هو وحش يلتهم كل شيء جميل في الحياة. فالأطفال على وجه الخصوص، هم الضحايا الأكثر تضرراً. بطفولة مقموعة وحياة مُهدّدة، تجدهم يتسرّبون من المدارس للعمل في مهن دون الحد الأدنى من الأمان، ما يؤدي إلى دورة من الفقر لا نهاية لها. فكيف يمكن لأمة أن تنهض إذا كانت أجيالها القادمة محاصرة بآلام الفقر؟

ومع كل هذا، فإن تأثير الفقر يتجاوز الأبعاد الفردية، إنه يقود إلى اضطرابات اجتماعية ونفسية خطيرة جداً،  إذ يتزايد عدم الاستقرار والقلق. في ظلِّ هذه الظروف، تصبح فرص التعبير عن الذات والمشاركة في الحياة العامة شبه مستحيلة، ممّا يؤدي إلى حالة من الإحباط والضياع.

من الصراع إلى الأمل

خطوات نحو التغلّب على الفقر

بالرغم من كل ما سبق، تبقى هناك نوافذ من الأمل. إن القوة التي يمتلكها المجتمع، حتى في أحلك الظروف، هي ما يسهم في بناء جسور الأمل. وتبدأ المسيرة الحقيقية نحو القضاء على الفقر بإدراك الحاجة الملحة لفرص تنموية مستدامة. لا يمكن إصلاح الأوضاع إلاّ بتعاون جميع الفئات المعنية، سواء كانت حكومية، أو غير حكومية، أو المجتمع المدني.

بناء شراكات ريادية

يجب أن تكون هناك شراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ يمكن للموارد المالية والخبرات التقنية أن تتحد معاً لإحداث تغيير حقيقي. ومن المهم أن نُعزّز العمل الجماعي، إذ لا يمكن لأيٍّ منّا أن يحمل العبء وحده.

الاستثمار في الذات والمشاريع الصغيرة

إن من أهم أنواع الاستثمار الذي يساهم في الحدِّ من الفقر وتحصيل الأمان والاستقرار المادي هو الاستثمار في الذات، في المهارات والمصالح والعلوم وبناء مشاريع صغيرة مستثمرة لهذه المهارات فيها.

تحسين التعليم والتدريب

التعليم هو سلاح قوي في مكافحة الفقر. ينبغي أن نعيد بناء نظام التعليم ليكون شاملًا، ويتيح للأطفال الحق في التعليم بلا عوائق. يجب أيضاً أن تتوافر برامج تدريبية للشباب والنساء للإلمام بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل.

توفير الخدمات الأساسية

يجب على الحكومة بالتعاون مع المجتمع المدني توفير الخدمات الأساسية مثل الصحة، المياه، والصرف الصحي والكهرباء والوقود، بحيث يكون الوصول إليها متاحاً لكل فرد. يجب أن تكون هذه الحقوق الأساسية قائمة في صميم كل جهد لتحقيق التنمية المستدامة.

نحو رؤية جديدة

إن القضاء على الفقر ليس مجرّد فكرة طموحة يمكن أن تتحقق في المستقبل البعيد، بل هو واقع يتطلّب عزماً وإرادة جماعية. اليوم، نحن بحاجة إلى رؤية جديدة، رؤية ترى في كل فرد مَعِيناً فريداً من الإمكانيات. كل سوري يستحق حياة كريمة، وكل فرد يجب أن يكون لديه الفرصة للإسهام في بناء مستقبل أفضل.

في اليوم العالمي للقضاء على الفقر، لنستمع إلى الصرخات المحرومة من الصوت، ولنعمل معاً لنضمن أن تُعطى الفرصة للجميع للعيش بكرامة. لا يجوز أن يبقى الفقر مجرّد رقم في الإحصائيات، بل يجب أن يكون موضوعاً حيوياً يتحرّك الشغف من أجله. نحن بحاجة إلى العمل، إلى الأمل، وإلى الاستثمار في إنسانيتنا، لكي نستطيع بناء مجتمع قوي ومُتّحد يتجاوز كل المخاطر والتحديات.

العدد 1128 - 16/10/2024