قرارات البرلمان الأوربي تتسم بازدواجية المعايير
د. شابا أيوب:
أصدر البرلمان الأوربي (١) عدة بيانات صحفية يوم 19 أيلول الماضي ومن بينها البيان، الذي يُعد تصعيداً خطيراً في مجرى الحرب الأوكرانية الروسية وتُرجم إلى عدة لغات منها الإنجليزية والروسية والدنماركية، وقد جاء فيه:
(يجب على أوكرانيا أن تكون قادرة على ضرب أهداف عسكرية مشروعة في روسيا).
ودعا البرلمان الأوربي دول الاتحاد الأوربي إلى الرفع الفوري لجميع القيود المفروضة على ضربات كييف في عمق روسيا، ويتعين على دول الاتحاد الأوربي رفع القيود الحالية التي تجعل من الصعب على أوكرانيا استخدام أنظمة الأسلحة الغربية ضد أهداف عسكرية (مشروعة) في روسيا.
ونصّتْ الوثيقة على أنه من دون رفع القيود الحالية، لا تستطيع أوكرانيا ممارسة حقها في الدفاع عن النفس بشكل كامل، وستظل عرضة للهجمات على سكانها وبُنيتها التحتية.
وزيادة في تصعيد الموقف من الحرب يدعو أعضاء البرلمان الأوربي مرة أخرى الدول الأعضاء إلى الوفاء بالتزام آذار (مارس) 2023 بتزويد أوكرانيا بمليون ذخيرة وتسريع توريد الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك صواريخ توروس. كما يؤكدون موقفهم الذي بموجبه ينبغي على جميع دول الاتحاد الأوربي وحلفاء الناتو أن يلتزموا بشكل جماعي وفردي بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا بما يعادل 0.25٪ على الأقل من ناتجهم المحلي الإجمالي السنوي.
إضافة الى ذلك يدعو القرار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي إلى الحفاظ على سياسة عقوبات المجلس الأوربي وتوسيعها تجاه روسيا وبيلاروسيا، وإلى الدول والمنظمات غير الأعضاء في الاتحاد الأوربي التي تزود روسيا بالتقنيات العسكرية وذات الاستخدام المزدوج. ويدين أعضاء البرلمان الأوربي قيام إيران مؤخراً بنقل الصواريخ الباليستية إلى روسيا، ويطالبون بفرض عقوبات أكثر صرامة على طهران وكوريا الشمالية لدورهما في دعم حرب روسيا ضد أوكرانيا.
من الواضح أن قرارات البرلمان الأوربي في تصعيد الموقف من الحرب وتشديد العقوبات على الدول الصديقة لروسيا تعبّر عن فشل المخططات الغربية في إضعاف روسيا ومد نفوذ الناتو على حدودها الغربية.
وبدلاً من إطفاء حرائق الحرب التي يدفع الشعب الاوكراني دم أبنائه ثمناً لها والسعي نحو السلام عبر إجراء المفاوضات بدلاً من حسم الصراع في ساحة المعركة، يعتقد أعضاء البرلمان الأوربي أن التعويضات ومدفوعات أخرى تُفرض على موسكو هي جانب رئيسي لأي حل مقبل بسبب مسؤولية روسيا عن جرائمها في الحرب. ويريد أعضاء البرلمان الأوربي من الاتحاد الأوربي وحلفائه إنشاء نظام قانوني قوي لمصادرة أصول الدولة الروسية المُجمدة من أجل تعويض أوكرانيا عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بها. وتُعد هذه الخطوة سابقة خطيرة في التعاملات البنكية والمالية بين الدول.
وفي اليوم نفسه أي في 19 أيلول اعترف أعضاء البرلمان الأوربي في جلسته العامة بإدموندو كونزاليس (٢) رئيساً لفنزويلا بدلاً من نيكولاس مادورو، مُتهمين مادورو بتزوير الانتخابات لصالحه، وأدانوا اضطهاد ما أسموه (المعارضة الديمقراطية)، وحذّروا من هجرة جماعية جديدة من فنزويلا. وهذه مُبالغة مُفرطة لا أساس لها من الصحة.
وجاء في القرار أيضاً: يتعين على الاتحاد الأوربي أن يبذل قصارى جهده لضمان قدرة إدموندو كونزاليس أوروتيا، (الرئيس الشرعي والمنتخب ديمقراطياً لفنزويلا)، على تولي منصبه في العاشر من كانون الثاني (يناير) 2025.
وفي القرار نفسه الذي اعتُمد يوم الخميس 19 أيلول (سبتمبر)، بأغلبية 309 أصوات مقابل 201 وامتناع 12 عضواً عن التصويت (يدين البرلمان ويرفض بشدة عمليات التزوير الانتخابي التي ارتكبها المجلس الوطني الانتخابي الفنزويلي الذي يسيطر عليه النظام).
ويعترف أعضاء البرلمان الأوربي بإدموندو كونزاليس أوروتيا رئيساً شرعياً ومنتخباً ديمقراطياً للبلاد، وماريا كورينا ماتشادو زعيمة للقوى الديمقراطية في فنزويلا. كما يدينون بشدة إصدار الحكومة الفنزويلية مذكرة اعتقال بحق السيد كونزاليس.
في الوقت الذي يدعم الاتحاد الأوربي عُملاءه ومُناصريه من العنصريين والفاشيين ومَنْ يُسمّونهم بالديمقراطيين، نراه يقف صامتاً عن جرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وغزة وفي لبنان الشقيق، ويُقدِّم كل أشكال الدعم العسكري والمالي والمعنوي لهذا الكيان الغاصب.
إن هذه القرارات المُنحازة إلى جانب العُملاء وخَدم النظام الرأسمالي العالمي تُعبّر بصدق عن ازدواجية المعايير السياسية والانحطاط الأخلاقي للغرب الرأسمالي وقيمه الذي تبجح بها لفترة تزيد على نصف قرن، كما تُعبر في الوقت نفسه عن ضيق نفسْ الدول الرأسمالية المتنفذة من التغيّر الحاصل في ميزان القوى العالمي لصالح تعدد الأقطاب بدلاً من هيمنة القطب الواحد، وفوز أحزاب اليسار في الانتخابات الرئاسية في العديد من دول العالم وكان آخرها نتائج الانتخابات الرئاسية في سريلانكا.
ويحث البرلمان دول الاتحاد الأوربي على إعادة فرض العقوبات على أعضاء المجلس الانتخابي الوطني (٣). ويدعو إلى تمديد العقوبات على النظام الفنزويلي وتوسيع نطاقها لتطبيق عقوبات حقوق الإنسان العالمي الذي يفرضه الاتحاد الأوربي ضد نيكولاس مادورو ودائرته الداخلية.
وتُعد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الأنظمة التي تُعارض النهج الرأسمالي الغربي جرائم بحق الشعوب المُستضعفة، ويجب على الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية الوقوف ضدها وفضح آثارها الكارثية.
(١) يُسيطر اليمين واليمين المتطرّف على أغلبية مقاعد البرلمان الأوربي.
(٢) إدموندو كونزاليس سياسي دبلوماسي وأكاديمي فنزويلي، عملَ في وزارة خارجية بلاده وسفيراً في الجزائر وتونس والأرجنتين، ثم كرّسَ نفسه أواخر مسيرته الدبلوماسية للعمل الأكاديمي وكتابة المقالات الأكاديمية والتحليلات السياسية، قبل أن يُعلن تحالف المعارضة الرئيسي المعروف بـ(التحالف الديمقراطي الموحد) ترشيحه ليُمثلهُ في انتخابات 2024. وهو حالياً لاجئ في إسبانيا.
(٣) كان المجلس الانتخابي في فنزويلا أعلن فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 28 تموز (يوليو) الماضي، وأعلن فوز مادورو بنسبة 52% من أصوات الناخبين، بينما
تقول المعارضة إن مرشحها أدموندو كونزاليس أوروتيا، فاز في الانتخابات بفارق كبير، وفقا لإحصاءاتها الخاصة.