المسنّون في سورية: أبعاد إنسانية واحتياجات غير ملبّاة

د. عبادة دعدوش:

في كل عام، يُصادف الأول من شهر تشرين الأول اليوم الدولي للمسنّين، وهو يوم يُخصّص للاحتفاء بكبار السن والاعتراف بدورهم الحيوي في المجتمع. وفي قلب هذا الاحتفاء، تتجلّى أبعاد إنسانية عميقة تتطلّب منّا التأمّل في واقع حياة كبار السن، خاصة في مجتمعات مثل مجتمع بلدنا الحبيب سورية، حيث يتعرّض المسنون لظروف وتحديات قد تؤثر بشكل مفرط على حياتهم.

الحكاية من الجذور: لطالما كانت الحكمة مُتجسّدة في كبار السن. فهم يحملون في طياتهم ثروات من التجارب والمعرفة التي تُعزّز من مكانتهم في العائلات والمجتمعات. لكن، في سورية، وتحت وطأة الأزمات المستمرة، هناك ما هو أكثر من التجارب والحكمة. يقف المسنّون أمام العديد من التحديات، كالفقر والعزلة التي تُظهر كيف يمكن أن تصبح هذه الفئات أكثر عرضةً للهشاشة.

واقع المسنّين في المجتمع السوري

_ الظروف الاقتصادية: أدّت الأزمة الاقتصادية في سورية إلى تدهور الأوضاع المعيشية، ممّا جعل الكثير من المُسنّين يعيشون في فقر متزايد، فندرة فرص العمل وضعف الرواتب تقضي على أي نوع من الاستقرار المالي، مُشكّلةً عبئاً على العائلات التي تعتمد على دعم كبار السن.

_ العزلة الاجتماعية: يعاني الكثير من المُسنّين من العزلة بسبب عدم قدرتهم على الحركة أو فقدان الأهل وهجرة احبابهم، وتساهم هذه العزلة في تدهور الحالة النفسية وتفاقم مشاعر الاكتئاب والقلق.

_ الرعاية الصحية: تواجه أنظمة الرعاية الصحية تحديّات كبيرة في محاولة توفير الخدمات الصحية لكبار السن. يُعاني العديد منهم من مشكلات صحية مزمنة، إلاّ أن الوصول إلى العناية المناسبة هو الأكثر صعوبة بسبب التحديات الاقتصادية والموارد المحدودة والدخل المحدود.

التجارب الإنسانية

شخصيات مثل (أمّ محمود) تُجسّد واقع عدد كبير من المسنين في سورية. فقد فقدت ابنيها خلال الصراع، وتعيش اليوم في منزل صغير، تعتمد على أهل الحي في تقديم الدعم. بالرغم من الألم الذي تحمله، تظلُّ تمنح النصيحة والمحبة لمن حولها، تُظهر قوة الروح البشرية في وجه الظلام.

نظرة أمل نحو المستقبل

في خضمّ هذا الواقع، يبقى هناك بريق من الأمل. لقد بدأ المجتمع المدني من منظمات دولية ومحلية في سورية بإطلاق مبادرات تهدف إلى تحسين ظروف حياة المسنين. تشمل هذه المبادرات تقديم الزيارات المنزلية للرعاية وتوفير خدمات الصحة النفسية والاجتماعية. وفي بعض المناطق، تُشكّل المراكز الاجتماعية مساحات لتبادل المعرفة وتجديد العلاقات الاجتماعية، ممّا يساعد في كسر حلقات العزلة للعديد من المُسنين.

نحو مجتمع رعاية شامل

اليوم، وبمناسبة اليوم الدولي للمسنين، يجب أن نتوجّه إلى المُسنين في سورية بإحساس من الاحترام والتقدير لدورهم الكبير والرائد سواء في تربية الأجيال، أو من خلال ما قدّموه خلال حياتهم العملية والمهنية. لذا، يجب أن نعمل كمجتمع على إعادة تكوين بيئةٍ داعمة لهم، تدعم حقوقهم وتلبّي احتياجاتهم. علينا أن نكون صوتاً للمُسنّين، وأن نتذكّر أن تقديم المساعدة والرعاية لهم ليس مجرّد واجب، بل هو اعتراف بالقيمة الإنسانية لكل فرد في المجتمع، ففي زمن الأزمات والتحديات تبقى الحكمة والتجارب الفريدة التي تملكها هذه الفئة من المجتمع هي جذوة الأمل. ولهذا، ندعو الجميع للمشاركة في تعميق مفهوم الرعاية والاحترام لكبار السن، فهم الشمس التي تُضيء مسافة الزمن برغم كل الظلال التي تمرُّ بها الحياة، ولنتذكّر دائماً أننا سوف نكون في يوم من الأيام بمكانهم، فكما نعاملهم سوف نُعامَل من الأجيال القادمة، وما علينا إلاّ أن نحترمهم مهما كبرت الفجوة بين الاجيال، كما يجب على كل فرد من المجتمع أن يعتني بهم ويتعلّم من تجاربهم ويتعرّف على ماضيهم وفهم هذا الماضي بكل ما احتواه. فمن تجاربهم وخبراتهم في الماضي نحن نعيش في الحاضر، ومنهما سوف نبني ونصنع المستقبل .

العدد 1120 - 21/8/2024