السلام أمان ورفاه
وعد حسون نصر:
إن مجرّد التلفُظ بمفردة السلام يُشعر بالطمأنينة، بالراحة الداخلية وهدوء الروح. إذا لا يمكن للبشرية أن تحيا من دون سلام، ولا تستطيع دول تُشيّد وتبقى صامدة من دون سلام، ولا حضارات تُبنى أو نهضة تُقام من دون وجود سلام حقيقي وفاعل، لأنه من الطبيعي أن تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية يتطلب السلام، إنه وسيلة لتحقيق حياة اجتماعية وثقافية مُستقرّة، فبالسلام ترتقي المجتمعات، إذ نلاحظ أن الدول التي تعاني من الحروب والفوضى والأحداث الدامية والأحقاد لا يوجد فيها نهضة ولا تنمية، وطبعاً يكمن السبب في الصراعات وفقدان الأمان وتلاشي السلام.
إذاً، لا مستقبل مزُهراً لبلاد تعجُّ بالنزاعات الداخلية والخارجية، فالنفوس المُرهقة بالأحقاد لا يمكن أن يغفو السلام بين ثناياها، لأن السلام هو طريق السكينة للفرد والمجتمع، والعامل المهم لنمو وازدهار المجتمع واستقراره بكافة مجالاته. ولكي نُحقّق هذا الهدوء والنمو والنهضة في مجتمعنا، علينا كأفراد أن نتمتّع أولاً بالسلام الداخلي بعد أن نتصالح مع أنفسنا ونتحاور مع ذواتنا، فنقوّم أخطاء وهفوات ارتكبناها، ونستفيد من هذه التجربة في مواقف أخرى شبيهة وضرورية، كتقبّل الآخر حين نحتضن الاختلاف ونُعزّز في نفوسنا فكرة جمالية التنوّع بالحياة، فكرة تحقيق الإنصاف والإنصات للآخرين.
لاشكّ أن البلدان المُسالمة والتي تنعم بالسلام والاستقرار والهدوء الداخلي تتمتّع بقدرٍ كافٍ من المساواة، تتمتّع بالاستقرار المادي وتُحقّق العدالة في توزيع الدخل بين أفراد المجتمع، تتمتّع بوجود نسبة كبيرة من المثقفين، فيكون لديها ازدهار في مجال التعليم والصحة. إنها مجتمعات تلتزم بتنفيذ القانون لتضمن حقوق الجميع. تهتم بالإنسان لأنه الأول والأخير في عملية تقدّمها، تُعزّز فكرة الحريات الشخصية على ألاّ تتعارض مع حرية الآخرين. تلتزم بالمعايير الاجتماعية والثقافية وخاصة فيما يتعلّق بسلوك أفراد المجتمع.
إن بناء السلام في المجتمعات وبين الأفراد عامل مهمّ، فهو يعمل على إدارة خلافاتهم ونزاعاتهم دون اللجوء إلى أعمال الشغب والعنف بكل أشكاله، الجميع يسعى لتحقيق التصالح في ذاته أولاً ليعكسه على الآخرين. وعليه، ولكي نحيا داخل مجتمعاتنا حياة كريمة قوامها الهدوء والسلام، علينا أن نعمل على نشر الحب للتقليل من أعمال العنف وخاصةً بين الأطفال والمراهقين، إضافة إلى عمل الأجهزة الأمنية على نزع السلاح من أيدي من ليس له عمل به. كذلك العمل على حلِّ النزاعات بين المناطق الحدودية من أجل إحلال السلام الخارجي، وطبعاً هذا من مهام الدولة.
مع الأسف أنه خلال أزمتنا داخل وطننا السوري فقدنا الأمان، فقدنا السلام، فحلَّ النزاع بيننا وكثرت الخلافات حتى بات الحوار بيننا مُتمثّلاً بلغة العنف وصوت السلاح. ساد الجهل بفقدان السلام وانعدام الازدهار، وبدل أن ننهض سقطنا بهاوية التخلّف! سنوات الأزمة وما بعدها جعلت القلوب مُحاطة بهالة سوداء بين الإخوة في البيت الواحد قبل الأفراد داخل المجتمع، ازداد التشرّد حتى بتنا نرى نسبة لا يستهان بها من أطفال الشوارع لا مأوى لهم سوى أرصفة الطرق بدل أن يكونوا داخل منزل مفعم بالأمان تُمارس فيه طقوس اللعب والدراسة والنوم الهادئ، أجيال باتت تفترش الأرصفة وتقطن حاويات القمامة، وألعابها أكياس تحتوي قطع بلاستيك لتكون مردوداً مادياً لها يساعدها على تأمين كسرة خبز! فقدنا السلام بنزاعات داخلية وخارجية نتيجة أزمة مازلنا نتخبّط بأضرارها حتى هذه الساعة.
لذا، وكي ننعم بالمحبة ونحيا بالطمأنينة ونعيش عصر الازدهار والنهضة الثقافية والعلمية والاقتصادية والصحية لابدَّ أن يتحقّق السلام، فهو غذاء الروح وطاقة المكان، وهو السبيل للتصالح مع الذات ومع من حولنا.