الاستسلام للخوف
وعد حسون نصر:
من المعروف أننا نولد أحراراً من كل قيد، وتكون عقولنا صفحة بيضاء لم يلوّنها أيّ شيء. لكن، من خلال مسيرة حياتنا ندوّن على هذه الصفحة كلّ ما اكتسبناه وما تلقّيناه من مواقف وأحداث وما شابه.. فالطفل مثلاً، لا يعرف الخوف إنما يكتسبه اكتساباً من أحد أبويه أو من حدثٍ ما، كأن يضع يده على النار فيجد أن النار مُحرِقة، فيتعزّز لديه شعور الخوف من النار. كذلك الأمر بالنسبة لباقي مسببات الخوف المُتعدّدة والمختلفة التي قد تواجهه.
ربما ينجم هذا الخوف عن جهل بما حولنا، كمن يتهيّب دخول منزل مهجور لأنه يجهل ما قد ينتظره داخل هذا المنزل، كذلك الخوف من المستقبل، من التمرّد ومن رفض ما لا نرغب. هنا يكون هذا الخوف الباطني ناتجاً عن جهل ثقافي اجتماعي وأيضاً بسبب جهل علمي، لأنه من الطبيعي أن يخشى الشخص الجاهل من ذاته قبل خشيته من ذوات الآخرين، يخاف من الوقوع بالخطأ، يخاف من الرفض وهذا طبيعي لأنه اعتاد أن لا يرفض، بل تعوّد أن يبقى تابعاً يتلقى الأوامر من هنا وهناك، وإن ثار على هذه الأوامر يوماً، فإنه بدايةً يثور على ذاته فينشب صراع بينه وبين تلك الذات، وقد يتفاقم هذا الصراع فيسقطه سخطاً على أحد أفراد أسرته! فقد تكون أمه أول الأشخاص لأنها الشخص الوحيد الذي يحتضن مخاوفه وغضبه وقلقه. وربما يسقطه على زوجته أو ابنه.. الخ. مع تراكم هذا الصراعات والنزاعات الداخلية يتحوّل إلى شخص عدواني يكره من حوله. هذه العدوانية وهذا الكره لم ينتج عن عبث، فقد يحدث أو ينمو بسبب الخوف من كل شيء والصمت على شيء وإن كان مزعجاً ومرهقاً للروح، حتى أننا نجد هذا الشخص ولشدّة مشاعر الكره التي تتملّكه، ورغم ضعفه، يتبنّى أفكاراً شريرة كأن يفكّر أحياناً باللجوء للقتل، حتى أنه هو ذاته يفكّر أحياناً بالتخلّص منها! نعم، تراه معظم الوقت انطوائياً يميل للعزلة ولا يرغب الاختلاط بالآخرين، حتى أن سلوكه يصبح عنيفاً من خلال ردّات فعل عدوانية تحمل الأذى عن قصد وتعمّد للآخر فقط، ليُظهر لذاته أنه منتصر قوي لا يتلقى الأوامر على الرغم من أنه فاقد لاحترام ذاته من قبله أولاً، ومن قبل الآخرين لمجرد استسلامه لرغباتهم وأوامرهم، وهذا كله بسبب الخوف المتولّد عن الجهل الاجتماعي والثقافي.
للأسف الشديد فإننا الآن داخل المجتمع السوري نعيش حالة من الرُّهاب الاجتماعي، حالة من الخوف والجهل والعدوانية ربما كانت موجودة قبل أزمتنا، لكنها تفاقمت أكثر خلال، وبعد سنوات الأزمة لأسباب عديدة قد يكون أهمها جهلنا بمعرفة ما نريد، ما هي مطالبنا، ما نوع الحقوق التي نريدها، لقد اختلطت الأمور لدينا وتزاحمت الأفكار فانتصر خوفنا وأُحبَط عزيمتنا ومكثنا في سبات الجهل الذي زاد سلوكنا عدوانية وبدأنا نستقوي على ذواتنا، على ضعفنا وعلى الأضعف منّا فقط. وكلما زادت غطرستنا على نفوسنا وعلى الأضعف منّا، ضعفنا أكثر واستسلمنا للأكثر قوة وبطشاً، وأصبح المجتمع السوري مجتمعاً مبنياً على الخوف، ضعيفاً أمام الرفض، سيطر الجهل على مقوماته وعاث الفساد بين أركانه لدرجة أننا بتنا نخاف أن نقرأ كتاباً يحمل بين طياته طرق التطور وأساليب التقدم. استسلمنا للإحباط وأقنعنا نفوسنا أن الصمت أفضل بكثير من الكلام، وأن العمى أفضل من البصيرة، والمشي بجوار الحائط أمان أكثر من منتصف الطريق! لقد ساد الجهل وعمَّ الخوف وكثُرت الجريمة تحت مُسمّى ردّة فعل عدوانية!!