القتل بداعي الشرف

وعد حسون نصر:

كَثُرَ الحديث عن الشرف والكرامة، لكن قلّت الأفعال التي تدلُّ عليهما، وبتنا نلاحظ مبرّرات جاهزة لكل فعل وخاصة للجريمة، إذ يجري تبرير سلوك المجرم بمسميات عديدة كاسترداد كرامته، غسل عاره.. الخ، ويجري إطلاق أمثال تنمُّ عن فكر عنيف وعادات بالية إجرامية كمثل (اصبعه عابت فقطعها) وهذه أيضاً لا شكّ تندرج تحت مسمّى جريمة الشرف ومفاهيم كثيرة بهدف الحفاظ على سمعة فرد أو عائلة، أو أقارب، أو استعادة السمعة، وهي تتجلّى بأشكال عديدة، فقد لا يلجأ الأهل إلى القتل، وربما يكتفون بحرمان ابنتهم من الحرية، أو إجبارها على الزواج، وربما حرمانها من التعليم ومنعها من الخروج بمفردها.. والبعض يختصر الطريق على ذاته ويُشرّع لنفسه قتل هذه الفتاة بدم بارد تحت مُبرّر غسل العار!

نلاحظ اليوم أن الكثير من المراهقين عرضة لانتهاك حقوقهم وتقييد حريتهم، وهذا بحدِّ ذاته جريمة، لأن تقييد الحريات بغاية الحفاظ على السمعة جريمة وإن لم تجنح للقتل، وغالباً ما يقوم بهذه الجريمة ذكور العائلة، فهم أصحاب القرار وشرف العائلة أمانة في حوزتهم خاصةً في المناطق الريفية التي مازالت تخضع لأعراف القبيلة وأنظمتها.  لذلك ترى الرجل الذي يقوم بهذه الجريمة يتصرف وكأنه منتصر يُكرّم من قبل ذكور منطقته وتوجه له دعوات العزائم والولائم، فهو مُخلّصهم من العار الذي لحق بهم، مع العلم أن معظم جرائم القتل التي تُرتكب بذريعة حماية الشرف تتمّ لمجرّد الشك بالفتاة وسلوكها ومن دون أي تأكّد مما إذا كانت الضحية قد ارتكبت فعلاً الجرم الذي عوقبت وانتزعت روحها لأجله، وأغلب اللواتي قُتِلنَ بهذه الذريعة تبيّن بعد الفحص الشرعي لاحقاً أنهنَّ كُنَّ عذراوات، وهذا تطبيق لمقولة اقتلها ثم تأكّد من براءتها، وتحت هذه اللافتة كم من فتيات ظُلِمنَ!!

لا شكّ أن أي سلوك يقوم به الأبناء يكون المسؤول الأول والأخير عنه هو الأبوين ومدى وعيهم، طريقة معاملتهم مع أبنائهم، مدى استيعاب سلوك هؤلاء الأبناء وخاصة في فترة المراهقة واضطرابات السلوك وتغيّر الهرمونات وحاجة المراهق للاهتمام والحب، للرعاية أكثر وخاصةً من أسرته كي لا يلجأ للأشخاص والأماكن الخطأ لينال منهم هذا الاهتمام. على الأهل أن يوقنوا أنهم هم من يشوّه سلوك أبنائهم، وهم من يقوّم ويُصلح هذا السلوك، فلا داعي للجوء للعنف الذي لا يؤدي إلاّ للعنف واضطرابات التفكير والتصرفات العدوانية، لا داعي لتتويج الذكور على أنهم قوامون على سلوك فتيات العائلة وأرفع منهنَّ منزلة، يجب خلق مودة بين الإخوة الذكور والإناث، وتعزيز فكرة المحبة والحوار والمشاركة في حلِّ المشكلات الناشئة بين الأهل والأبناء وبين الإخوة  من خلال تعزيز الثقة بين أفراد العائلة والابتعاد عن الاستماع للواشين وعدم طرح مشاكل الأسرة خارج جدران المنزل لكي لا يكثر الناصحون لأنهم قد يكونون سبباً في تفاقم المشكلة. كما يجب تعزيز فكرة أن المنزل ملاذ الأبناء الوحيد، والأسرة هي مصدر القوة والدعم، والأم هي بيت السرّ الوحيد للفتاة، والأب هو السند، والإخوة هم القوة التي تواجه بها تلك الفتاة العالم لا العكس. ولا ننسى أن القانون بأنظمته وتشريعاته هو أكبر رادع لارتكاب جرائم الشرف، فيجب العقاب الشديد لكل من ارتكب جريمة بحجّة الشرف، إذ لا يمكن تجميل فعل القتل وإعطائه المبررات.

لقد شهد عام ٢٠٢٠ تحوّلاً لافتاً بنظرة المُشرّع السوري إلى جرائم الشرف، فقد صدر القانون رقم (٢) القاضي بإلغاء المادة ٥٤٨ من قانون العقوبات المُتعلّقة بمنح العذر المُخفّف لجرائم الشرف، كما نص القانون على إلغاء جميع تعديلات المادة الصادرة في عام ١٩٤٩ لكن رغم كل التعديلات ورغم كل الأنظمة والقوانين التي تصدر لحماية المرأة من العنف والقمع والقتل بذريعة الشرف، مازال هناك مُبرّرات تشفع للقاتل فعلته تحت مسمّى فورة دم، أو شاهد أحد أصوله يمارس الفاحشة، وبالتالي لجأ للقتل تحت قسوة المشهد.

للأسف، ورغم اتساع مساحة الحديث عن الشرف، نجد أن البعض باعه تحت مُبرّرات واهية، والبعض الآخر برّر لذاته أفعاله الشنيعة وإجرامه الإنساني بذريعة الشرف.

العدد 1120 - 21/8/2024