بين البطالة والدخل المحدود: فجوة كبيرة جداً هل يمكن أن تُحَلّ.؟

د.عبادة دعدوش:

تُعدُّ البطالة والدخل المحدود من القضايا الرئيسية التي تؤثر بشكل عميق على المجتمعات العربية، وخاصةً المجتمع السوري المحاصر اقتصادياً والمنهك إثر الأزمات التي عصفت به.

ولكن، هل تساءلتَ يوماً عن العلاقة الغامضة بين البطالة وعدم الكفاءة ونقص الخبرة التي تسود في هذه المجتمعات؟ هذا المقال يستكشف عمق هذه الفجوة وكيف أن العوامل الثقافية والاقتصادية تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الواقع المعيش.

 

البطالة أكثر من مجرّد رقم

إن تدنّي مستویات العمالة في المجتمع السوري يمكن أن يُفهم كفشل ضمني للمنظومة التعليمية والاجتماعية. فمعظم الشباب يتخرجون في الجامعات بآمال كبيرة في المستقبل، لكنهم يصطدمون بسوق عمل مملوء بالتحدّيات الكبيرة جداً أو فرص العمل النادرة. ومع زيادة عدد الخريجين، تواجه السوق عدم تناسق واضحاً بين المؤهلات المطلوبة والمهارات المتاحة.

الدخل المحدود عقبة إضافية

في ظلِّ ظروف اقتصادية ضاغطة وشديدة التعقيد، يعاني العاطلون عن العمل من انعدام الدخل، ممّا يدفع الكثير منهم إلى قبول وظائف منخفضة الأجر لا تتناسب مع تعليمهم. هذا الانتقال من بيئة تعليمية عالية إلى وظائف بسيطة يؤكّد وجود الهوّة المُثيرة للقلق بين الطموح والواقع.

 

الكفاءة والخبرة.. القيود المفروضة

لا يقتصر الأمر على البطالة أو الدخل المحدود فحسب، بل إن المفاهيم المرتبطة بالكفاءة والخبرة تلعب دوراً في تعميق هذه الفجوة. فأغلب أصحاب العمل يشكون من نقص العمالة وعدم وجود موظفين خبراء أو لديهم الكفاءة التي يمكن الاعتماد عليها وعليهم، إذ إن العديد من الشباب قد يمتلكون المعرفة النظرية، لكنهم يفتقرون إلى الخبرة العملية التي تحتاج إليها الشركات. هناك فوضى في ربط التعليم بالتدريب الفعلي، ممّا يجعل من الصعب على العاطلين عن العمل اكتساب التجربة اللازمة لدخول سوق العمل.

 

التحدّيات الثقافية

تُعتبر الثقافة عنصراً أساسياً في تفسير هذه الفجوة. ففي المجتمعات العربية، غالباً ما يُنظر إلى التعليم الرسمي كطريق رئيسي للنجاح، بينما تُعتبر المهارات الحياتية والفنية عوامل ثانوية. هذه المعايير الاجتماعية تدفع الكثير من الشباب بعيداً عن الالتفات إلى فرص التعليم المهني أو التدريب العملي، ممّا يزيد من مستوى البطالة في البلاد، فالشهادات الجامعية كالطب والهندسة تُعتبر التوجّه الأمثل أو الأفضل لدى غالبية الشباب، ولكن سوق العمل، في الحقيقة، لديه فائض من حملة الشهادات هذه، وسوق العمل بأمسِّ الحاجة إلى المهنيين الخبراء وإلى أصحاب المهن والمصالح المهنية والعملية.

اتساع الرفاهية والغلاء المعيشي الفاحش

إن اتساع مستويات الرفاهية وتعدّدها وازياد الكمّ الاستهلاكي للبشر ساهم مساهمةً كبيرة جداً في خلق أزمات اقتصاديه كبيرة على مستوى العالم، كما شكّل حالة عدم توزان اقتصادي بين طبقات المجتمع. فأغلب المجتمعات أصبحت مستهلكة أكثر من أن تكون منتجة، ممّا خلق تفاوتات مادية وطبقية واضحة في كل هذه المجتمعات على مستوى العالم، ولعلَّ ازدياد عدد سكان العالم أيضاً قد ساهم في زيادة نسبة الاستهلاك وزيادة نسب التضخّم في العالم بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص، ممّا أدى إلى غلاء الأسعار بشكل فاحش قادنا إلى عدم تحقيق الأمان الوظيفي أو المادي مترافقاً مع عدم الرضا الوظيفي.

هل هناك حل لهذه الفجوة؟

من المهم أن نبدأ في التفكير خارج النمط التقليدي لحلِّ هذه المشكلات. يمكن لحكومات الدول العربية وخاصة الدولة السورية أن تتبنّى سياسات جديدة لمواجهة هذه الفجوة بشكل فعال. مثلاً:

1-تعزيز التعليم المهني: ينبغي التركيز على التعليم المهني والتقني ليكون بديلاً جاذباً كالتعليم الأكاديمي التقليدي، وكذلك زبادة مستوى التوعية فيه والترغيب به من خلال إبراز دوره وأهميته ومكانته الاجتماعية المهمة .

2- ضرورة وجود برامج التدريب العملي: يجب إنشاء شراكات مع الشركات لتوفير برامج تدريب عملي موجّهة للطلاب، ممّا يساهم في ترسيخ خبراتهم أثناء الدراسة، وبالتالي يتيح لهم فرصة التدريب العملي والاندماج بسوق العمل الحقيقي بشكل سريع وفعّال.

3-مشاريع ريادة الأعمال: تشجيع روح ريادة الأعمال والمبادرات الصغيرة يساعد على خلق فرص عمل جديدة، ويُحفّز الابتكار ويساهم في تحسين المجتمعات والاقتصاد.

4-تنمية المهارات الفردية والمصالح المهنية وتوعيه الشعوب بأهمية المصالح المهنية والعملية في المستقبل.

5-رفع الرواتب والعمل على نظام المكافآت والحوافز للعاملين بشكل فعّال، وتحليل الوضع الاقتصادي لأجل العمل على وضع خطط لتحقيق التوازن بين المصروف الفردي والمدخول المادي لضمان الاستقرار المادي وتحقيق الأمان الاقتصادي.

ختاماً، إن الفجوة بين البطالة والدخل المحدود من جهة، وبين الكفاءة ونقص الخبرة في المجتمعات العربية من جهة أخرى، وخاصة في سورية، هي واحدة من أعقد التحديّات التي تتطلّب جهداً جماعياً من المجتمع والحكومة. فمن خلال التفكير خارج الصندوق وابتكار حلول جديدة، يمكننا العمل على تقليص هذه الفجوة وتحقيق مستقبل مشرق ومزدهر يقدم فرصاً عادلة للجميع. فالتغيير يبدأ من التوعية والتعاون، فلنجعل من هذه القضايا محور حوارنا وأفعالنا، فالأمل بالعمل والجزاء بالسعي لا بالكلام ولا بالأقوال.

العدد 1120 - 21/8/2024