حلقة دوران الفساد.. مثال جديد

وحيد سيريس:

عندما أقدمت الحكومة على اتخاذ قرار بوقف حصر بيع التبغ وتصنيعه بمؤسسات الدولة، فتحت طريقاً واسعاً للثراء الفاسد على حساب خزينة الدولة وجيوب المواطن (المستهلك).. لأنها سمحت لمزارعي التبغ أن يبيعوا محصولهم للقطاع الخاص، وطبعاً لمؤسسة التبغ أيضاً التي تحولت من مشتري ومنتج حصري للتبغ إلى منافس افتراضي للقطاع الخاص.

المؤسسة الحكومية المسؤولة عن تسعير التبغ.. حددت لمحصول ٢٠٢٤ سعراً يقدر بـ(٢٩٠٠٠) لبرة سورية للكيلو غرام الواحد، من الصنف الأول، نزولاً بالتسعير للأصناف الدرجة الثانية والثالثة.. وهكذا.. وهذا التسعير لا يغطي التكلفة، التي تقدر بـ(٥٠٠٠٠) للكيلو غرام، بحسب أحد مزارعي التبغ. والمزارعون يقولون إن سعره في السوق الموازي (السوق السوداء) يقدر بين (١٢٠٠٠٠- ١٥٠٠٠٠) أي أكثر منأربعة أضعاف على الأقل من السعر الذي حددته مؤسسات الدولة المعنية بالتسعير.

والذي سيحصل في هذه الحالة سيناريو مشابه لما سبقه في زراعات أخرى.

سيقوم مزارعو التبغ ببيع الأصناف الجيدة لتجار السوق السوداء، وسيبيعون الأصناف الرديئة لمؤسسة التبغ.

تجار السوق السوداء.. إما سيبيعون التبغ الجيد إلى معامل التبغ التابعة للقطاع الخاص، أو سيهرّبونه إلى خارج البلاد.. أو سيصدر قرار من وزارة التجارة يسمح بتصدير التبغ الخام. أما مؤسسة التبغ ومعاملها التابعة للدولة فستصنع التبغ الرديء، وبالتالي فإن المستهلك السوري سيتوقف عن شراء أنواع السجائر المنتجة من مؤسسة التبغ الحكومية لرداءتها، وتكسد بضائعها في الأسواق، وبالتالي ستخسر هذه المعامل التي كانت دائماً رابحة وكانت ترفد الخزينة والاقتصاد الوطني بمرابح جيدة سنوياً، وسيذهب المستهلك السوري إلى الدخان المهرّب أو الذي ستنتجه معامل القطاع الخاص التي هي في طريقها للترخيص والإنشاء، وبأسعار مضاعفة، نتيجة سوء المنتج التابع لقطاع الدولة.. وإبعاده عن المنافسة.

الخاسر في تلك القرارات وهذا الأداء هو الخزينة والاقتصاد الوطني ذو الطبيعة الشعبية الذي يخدم مستهلكي السجائر من الفئات الواسعة. أما الرابحون فهم التجار الكبار وأولهم تجار السوق السوداء والمهرّبون.. وكل أطراف الفساد الكبير الأخرى.

العدد 1120 - 21/8/2024