الخير في النيّات
وعد حسون نصر:
كلمة خير لها معانٍ كثيرة وتُقال للأشياء الجميلة، كالمطر نقول عنه خير، نسمة الهواء العليل نقول عنها خير، الحقول عند ما تَغل نقول موسمها خير، حتى القهوة عندما تسقط منّا في صباحاتنا نقول فالها خير.. أي أن الخير مُتجسّد في كل مكان، في مجمل أعمالنا واتجاهاتها. لكن الأهم، أن يكون الخير في نيّاتنا ومدى صفاء هذه النيات ونقائها.
ومن المعلوم أن مفهوم العمل الخيري هو كل جهد أو وقت يُبذل من أجل نفع الناس وإسعادهم والتخفيف من معاناتهم. وله أهمية بالغة في برامج التنمية بكل جوانبها، لذلك لاحظنا أن دوره آخذٌ في التنامي بكل دول العالم، لأن العمل الخيري قديم قدم الإنسان، والدليل على هذا أن جميع الديانات السماوية والأرضية منها حثّت عليه وسبقت في الدعوى إليه. فهو يساهم في سدِّ رمق الكثير من الأسر، ويسدّ النقص في إنتاج بعض المواد والسلع، كذلك تخفيض تكاليف الإنتاج من خلال البحث عن الأقل تكلفة والأشخاص المتبرعين لإنجاز هذا العمل. كما يُسهم في زيادة الإنتاج وخاصة للسلع التي تلقى رواجاً فيزداد الطلب عليها، كما الخدمات المطلوبة بكثرة من قِبَل أفراد المجتمع.
ويساهم العمل الخيري أيضاًفي تقليل الصعوبات التي يواجهها المجتمع وخاصة مع العجز الاجتماعي، والتقليل من مخاطر عدم مسؤولية الفرد، كذلك تشجيع مشاركته في شؤون المجتمع ورفع مستوى التنمية لتقليص فجوة التخلّف، وخاصة بعد الأزمة وخلال الحرب وما نتج عنهما من إهمال في مسيرة التعليم وانتشار البطالة وضعف القيم الاجتماعية والتفكّك الأسري. لذا، من الطبيعي أن لا يتوقف العمل الخيري عند تقديم معونة أو ملابس أو نقود للأشخاص المحتاجين فقط، إنما يكمن في كفالة يتيم، كذلك كفالة شخص من ذوي الهمم، وكفالة أسرة فقيرة أو طالب متميّز ليستمر بمسيرة التعليم. أيضاً المساهمة بإجراء عمل جراحي لحالة مرضية وضعها الصحي صعب ومطلوب إجراؤها بسرعة رغم أنها مُكلفة مادياً في ظلّ الغلاء الفاحش حتى في المجال الطبي والصحي.
لا شكّ أن العمل الخيري يساهم في تنمية فكرة العمل الجماعي والتطوعي، وتجسيد مفهوم المحبة بين أفراد المجتمع عند ما يرى كل فرد نفسه مسؤولاً أمام المجتمع عن تلبية مطالب الطبقة الفقيرة تحت لافتة العمل الخيري. ومن المعروف أن فكرة العمل الخيري تقوم على نشر الخير، وزرع الابتسامة على الوجوه البائسة،
ورعاية اليتيم وتأمين الملابس ومستلزمات العملية التعليمية لمختلف المراحل الدراسية. كذلك نشر الفرح والسرور بين الناس بشكل عام وبين الأطفال بشكل خاص. ومن مهامه أيضاً إنشاء صندوق لمساعدة الآخرين في اتجاهات أخرى مختلفة.
غير أن ما نراه اليوم مختلف عن فكرة العمل الخيري، فللأسف بات البعض يستغل هذا العمل لغايات شخصية، ولتحسين ظروفه الخاصة وتأمين مستلزماته هو، إذ يقوم بجمع التبرعات بحجّة الخير، لكنه لا يُقدّم سوى القليل منها للأُسر المحتاجة ويأخذ الباقي تحت ذرائع مختلفة ومسميات كثيرة، وطبعاً هذا السلوك السلبي قد جعل الكثيرين من أصحاب التبرعات لا يثقون بمؤسسات العمل الخيري والأشخاص الذين يمثلون هذه المؤسسات. لعلّها قليلة نسبة الناس الذين يخصصون مبلغاً من أموالهم للتبرّع به من أجل فعل الخير، والسبب هو ما يحصل من قبل المُستغلين لهذا العمل النبيل. لقد تكاثر مُدَّعو الخير وكثرت أموالهم بفضل هذا الادعاء، واستغلوا طيبة الناس ليحسنوا ظروفهم على حساب المحتاجين، فتناسوا التزاماتهم الأخلاقية مستندين لقول إنما الأعمال بالنيّات، لكن هؤلاء حرموا أنفسهم متعة عمل الخير لأجل الخير. لكن، يبقى فعل الخير من أحب الأعمال سواء في حياتنا الاجتماعية أو حتى في الدين والرسالات السماوية، خاصة بعد أن تُنجز عملك الخيّر وترى نتائجه بضحكة طفل ولهفة محتاج. والذين استغلوا التبرعات والخير لأجل مصالحهم الخاصة نسوا نشوة الضمير عندما يصل الخير إلى محتاجيه، وحرموا المحتاج من فرحة الحصول على حاجته. لذلك نجد أن منبع أعمال الخير هو النوايا وليس الظاهر، في حين يكون الباطن شريراً!!
إننا اليوم أشدُّ حاجة لتجسيد فكرة المنظمات الخيرية بسبب الظروف المادية الصعبة وقلة فرص العمل والموارد والحاجات الأساسية مقابل ازدياد أعداد الأُسر المحتاجة وكثرة الأطفال المُشرّدين في الطرقات المحتاجين لمن يرعاهم. لذلك، افعلوا الخير من أجل راحة أنفسكم لتجدوا المتعة مع كل ضحكة محتاج نال منكم حاجته.