الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب: تغيير الأوضاع ليس مستحيلاً شرط تغيير مقارباتنا وتفعيل عمل مؤسساتنا.. الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل
دمشق-سانا:
أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن مجلس الشعب هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، مشدداً على أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يُغذَّ بالعمل الدؤوب والإنجاز والإثمار.
وأوضح الرئيس الأسد في خطاب أمام مجلس الشعب، يوم الأحد الماضي 25/8/2024، بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس، أن الأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان، وتأتي الحروب لتظهر هذه الحالة من الضعف وحدّتها، وعلينا أن نبحث في عمق توجهاتنا الاقتصادية التي اتبعناها على مدى عقود وتحديد الحلول الأكثر مناسبة والأقل ضرراً لنا في سورية.
وشدّد الرئيس الأسد على أن أبناء الجولان السوري المحتل قدّموا لنا الكثير من العبر، فبرهنوا أن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض، وأثبتوا أن انتماءهم متجذر وأرواحهم لا تحيا إلا لسورية، مؤكداً أن المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق واليمن قدوة وأنموذج ومثال نقتدي به في طريق التحرير والكرامة والشرف والاستقلال الناجز.
وفيما يلي فقرات من خطاب الرئيس الأسد:
- السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب الكرام.. أهنّئكم ببدء أعمال الدور التشريعي الرابع وبنيلكم ثقة ناخبيكم للتشرّف بخدمتهم، ولنتذكّر بدايةً أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يُغذَّ بالعمل الدؤوب وبالتواصل المستمرّ وبالإنجاز والإثمار، وإذ تبدؤون مهامكم وسط حراكٍ تطويريّ بمؤسّسات الدولة، فإن تأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسّسات كافّة، بحكم العلاقة الوثيقة بين مؤسّسات الدولة، ومجلسكم هو المؤسّسة الأهمّ لانعكاس أدائها على مؤسّسات الدولة كافّة، وبذلك على المواطنين عامة، لذا فإن تطوير أنظمته وآليات عمله هو أولوية أولى تستند إليها بقية الأولويات.
- علينا مجتمعين كأبناء هذا الوطن أن نحدّد التوجهات العامة التي نعتقد أنها مناسبة، وأن نترك للسلطة التنفيذية تحديد آلية التنفيذ بعد أن نناقش معها الأدوات.
- الوضع الراهن المتأزم عالمياً وانعكاساته علينا يدفعنا للعمل بحركية أسرع من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن مشاعر الأسى وآلام الجروح من طعنة شقيق أو غدر صديق، بهذه الروحية تعاملنا مع المبادرات التي طرحت بشأن العلاقة مع تركيا والتي تقدّم بها أكثر من طرف (روسيا، إيران، العراق) وكانت أولى هذه المبادرات منذ حوالي خمس سنوات أو أكثر بقليل، تخلّلتها عدة لقاءات بمستويات مختلفة لم تحقّق أيّ نتيجة تُذكر على أرض الواقع، بالرغم من جدّيّة أصحاب المبادرات وحرصهم الصادق على إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، ومع كلّ يوم مضى دون تقدّم كان الضرر يتراكم ليس على الجانب السوري فحسب، وإنما على الجانب التركي أيضاً بحيث لم يعد ممكناً إغفاله أو إنكاره، انطلقنا في تعاملنا مع هذه المبادرات من مبادئنا ومصالحنا، وهذه المبادئ والمصالح لا تتعارض عادةً بين الدول المتجاورة في حال كانت النوايا غير مؤذية، فالسيادة والقانون الدولي يتوافق مع مبادئ كلّ الأطراف الجادّة في حلّ المشكلة، أما استعادة العلاقات الطبيعية كنتيجة للانسحاب والقضاء على الإرهاب فهي مصلحة مشتركة لأيّ شعبين جارين، لكن لا يمكن الحصول على نتيجة دون التعامل مع السبب، فنحن لم نغيّر سياساتنا لا سابقاً للحرب ولا لاحقاً لها، بالعكس تماماً كنا دائماً حريصين على أن نفصل خلال ثلاثة عشر عاماً ونيف من هذه الحرب، بين توجّهات الشعب التركي كونه شعباً جاراً وبين سياسات ونوايا المسؤولين الأتراك، هذا يعني أننا لا يمكن أن نكون نحن السبب فيما تغيّر، لأننا لم نغيّر شيئاً بالنسبة لتوجّهاتنا ونوايانا وسياساتنا، وبنفس الوقت لم نرسل قوات لكي تحتلّ أراضيَ في بلدٍ جارٍ لكي ننسحب اليوم، ولم ندعم الإرهاب لكي يقوم بقتل شعب جار، وكنا نعتبره شقيقاً لكي نتوقف عن هذا الدعم اليوم أيضاً، وأول الحلّ هو المصارحة لا المجاملة تحت عنوان المصالحة، أول الحلّ هو تحديد موقع الخطأ لا المكابرة، إذ كيف يمكن معالجة مشكلة لا نرى أسبابها الحقيقية، والرغبة الصادقة في استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولاً إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة، وهذا يتطلب التراجع عن السياسات التي أدّت إلى الوضع الراهن، وهي ليست شروطاً، وإنما هي متطلبات من أجل نجاح العملية، وهذه المتطلبات تحمل في داخلها الكثير من العناصر الهامة، ولكن في مقدمتها حقوق الدول، ونحن كبلد لن نتنازل عن أيّ حقّ من حقوقنا في أيّ ظرفٍ من الظروف، لن نتخلّى عن حقوقنا ولن نطالب الآخرين بالتخلي عن حقوقهم، يعني هذا منطق واحد.
فإذاً هذا في الأسس التي تؤسس لنجاح المبادرات، في الأسس الرغبة الصادقة والتراجع عن سياسات أو الرغبة الصادقة التي تؤدّي للتراجع عن السياسات، لا تهمّ الصياغة، أما في المبادئ فأية عملية تفاوض بحاجة إلى مرجعية لكي تنجح، بحاجة إلى مرجعية تستند إليها لكي تنجح، وعدم الوصول إلى نتائج في اللقاءات التي حصلت سابقاً هناك عدة أسباب ولكن أحد أهمّ الأسباب عدم وجود مرجعية لتلك اللقاءات، هذه المرجعية قد تستند إلى عدة أشياء.. أشياء يتفق عليها بين الأطراف المختلفة، قد تستند إلى القانون الدولي، قد تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، قد تستند إلى عدد من العناوين التي تهمّ كلّ طرف من الأطراف، على سبيل المثال ما يصرّح به المسؤولون الأتراك بشكل مستمرّ هو موضوع اللاجئين وموضوع الإرهاب، وما تصرّح به سورية بشكل مستمرّ هو موضوع الانسحاب من الأراضي السورية وموضوع الإرهاب أيضاً، نحن لا نعتقد بأنه لدينا مشكلة في كلّ هذه العناوين الأربعة، سواء العناوين السورية، العناوين التركية، ويفترض ألا يكون هناك مشكلة بحسب ما يعلن عنه بعض المسؤولين الأتراك في العناوين السورية طالما أنه لا يوجد نوايا سيئة، كما يقولون.
عندما يتم الاتفاق على هذه العناوين يجب أن يصدر بيانٌ مشترك من خلال لقاء بين المسؤولين في الطرفين بمستوى يحدَّد لاحقاً، هذا البيان المشترك يتحول إلى ورقة تشكل ورقة مبادئ هي التي تشكل القاعدة للإجراءات التي يمكن أن تتم لاحقاً بالنسبة لتطوير العلاقة أو الانسحاب أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من العناوين التي تهمّ الطرفين.
أهمية هذه الورقة وهذه المرجعية أنها تنظم المفاوضات، تمنع المناورة أو المزاجية من قبل أيّ طرف، وفي الوقت نفسه تشكّل أداةً يستند إليها أصحاب المبادرات تساعدهم على النجاح في مساعيهم، فإذاً المرحلة الآن التي تتحدث عنها سورية هي مرحلة الأسس والمبادئ لأن نجاحها هو الذي يهيئ لنجاح الإجراءات لاحقاً، لذلك غير صحيح ما يصرّح به بعض المسؤولين الأتراك من وقتٍ إلى آخر، بأن سورية قالت إن لم يحصل الانسحاب فلن نلتقي مع الأتراك، هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع، نحن نعمل في هذا الموضوع بشكل منهجي وبشكل واقعي، المهمّ أن يكون لدينا أهدافٌ واضحة ونعرف كيفية السير باتجاه هذه الأهداف، وأيّاً تكن الخطوات المحتملة فسيكون أساسها السيادة، وحدودها السيادة، ومعيارها السيادة أيضاً.
وعندما تُذكر السيادة يحضر الجولان.. الجولان الذي قدّم لنا أبناؤه الكثير من العبر، فبرهنوا أن غياب السيادة عن أرضه لا تعني سقوط الوطنية من وجدان شعبه، بل تعني ارتقاءها في قيمه، وأن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض، وأن الوطنية ليست مظهراً، ولا ادّعاءً بل انتماءٌ متجذّر ووفاء وولاء، وقدّموا لنا الدرس الأبلغ، وهو أن حصار العقول أخطر وأشدّ فتكاً من حصار البطون، حصار الأرزاق تخفّف عنه كرامةٌ غالية، وأخلاق عالية، ونفس عزيزة، وقيم وطنية، وعقل منتج للأفكار والحلول، أما حصار العقول فمآله انتحار جماعي، وبيعٌ للوطن في سوق النخاسة السياسي، أكثر من ستة عقود مقاومون تحت الحصار المطبق، قاوموا الضمّ الجائر والهوية الصهيونية الفاشية والمحتلّ الباغي، كانوا وما زالوا راسخين في الموقع، ثابتين بالاتجاه، رافضين أن تخفق قلوبهم وتحيا أرواحهم إلا لسورية ومن أجلها، حتى يعودوا إليها وتعود إليهم، فلنا بهم وبأبناء الوطن المدافعين عنه، والشهداء وعائلاتهم وجرحانا الأبطال وبكلّ سوريٍّ أبيّ بذل وضحّى ولم تُكسر إرادته، تحمّل المعاناة وتألّم ولم يبِع كرامته، وبالمقاومين في لبنان وفلسطين والعراق واليمن أسوةٌ وقدوة وأنموذج ومثال نقتدي به في طريق التحرير طريق الكرامة والشرف والاستقلال الناجز.
أتمنّى لكم أيّتها السيدات أيّها السادة كلّ التوفيق في مهامّكم الوطنية الجسام..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!